خسرت بإخراجهم شعباً مجدًّا عاملا بارعاً فى الزراعة والصناعة، ولكن الواقع أن حركة الإنقلاب البروتستانتى حملت اسبانيا على أن تتبع من جانبها سياسة كاثوليكية شديدة، وكان من جراء ذلك أن اشتدت فى معاملة الموريسكيين، ويمكن أن نصف هذه السياسة بأنها كانت عنيفة مغرقة.
ولم يكن نفى الموريسكيين خطوة موفقة، وكان أيضاً من آثار الحركة الرجعية الكاثوليكية. وما كان ملك قوى مثل فيليب الثانى ليقدم على اتخاذ مثل هذه الخطوة، ولكن ولده فيليب الثالث كان ملكاً ضعيفاً يعوزه الذكاء والحصافة. وقد غلبت السياسة الدينية والكنسية فى هذه المسألة. ويبدو خطأ هذه السياسة بالأخص من الناحية العنصرية، فإن العلامة ربيرا يعتقد أن الموريسكيين كان نصفهم على الأقل من الإسبان الخلص الذين اعتنقوا الإسلام فى عهود مختلفة، ثم أرغموا على التنصير بعد سقوط غرناطة وصاروا موريسكيين.
ويسلم الأستاذ بيدال بأن نفى الموريسكيين كان من عوامل انحلال اسبانيا، ولكنه يرى من البالغة أن يقال إنه السبب الرئيسى لهذا الانحلال. ثم يقول:"الواقع أن هذه مسألة معقدة، وأعتقد أن من أهم أسباب انحلال اسبانيا، عنف السياسة الكنسية المناهضة لحركة الإصلاح الدينى - البروتستانتية - وهو عنف لم يقع مثله فى أى بلد أوربى آخر بل انفردت به اسبانيا والكنيسة الإسبانية".
ويبدى دى مارليس الذى اتخذ مؤلف كوندى أساساً لكتابه عن "تاريخ دولة المسلمين فى اسبانيا والبرتغال" حماسة فى تقدير تراث الأمة الأندلسية وما أصاب اسبانيا من جراء القضاء عليها، ويعلق فى خاتمة تاريخه على مأساة الموريسكيين فى تلك العبارات الشعرية المؤثرة:
"وهكذا اختفى من الأرض الإسبانية إلى الأبد ذلك الشعب الباسل اليقظ الذكى المستنير، الذى أحيى بهمته وجِدّه تلك الأراضى، التى أسلمتها كبرياء القوط الخاملة إلى الجدب، فدر عليها الرخاء والفيض، واحتفر لها عديد القنوات، ذلك الشعب الذى أحاطت شجاعته الفياضة فى السعود والشدائد معاً، عرش الخلفاء بسياج من البأس، والذى أقامت عبقريته بالمران والتقدم والدرس، فى مدنه صرحاً خالداً من الأنوار، التى كان ضوؤها المنبعث ينير أوربا، ويبث فيها شغف العلم والعرفان، والذى كان روحه الشهم يطبع كل أعماله بطابع لا نظير له من العظمة والنبل، ويسبغ عليه فى نظر الخلف، لوناً غامضاً من العظمة الخارقة، ودهاناً سحرياً