للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من معاونته فى استرداد ملكه. ونشبت بين الرجلين منافسة شديدة، وما زال ابن الخطيب يحرض السلطان ويحذره من نفوذ عثمان وآله، ويذكره بسابق غدرهم، حتى استجاب السلطان إلى تحريضه ونكبهم (رمضان سنة ٧٦٤ هـ)، وبذا خلا له الجو، وتبوأ ذروة النفوذ والسلطان.

ويصف لنا ابن الخطيب، جهوده وعمله فى الوزارة يومئذ فى قوله: "ثم صرفت الفكر إلى بناء الزاوية والمدرسة والتربة، بكر الحسنات بهذه الخطة، بل بالجزيرة فيما سلف من المدة، فتأتى بمنة الله تعالى من صلاح السلطان، وعفاف الحاشية، والأمن، وروم الثغور، وتثمير الجباية، وإنصاف الحماة والمقاتلة، ومقارعة الملوك المجاورة، فى إيثار المصلحة الدينية، والصدع فوق المنابر، ضماناً من السلطان، بترياق سم الثورة، وإصلاح بواطن الخاصة والعامة ... " (١).

غير أن معظم الروايات تدل من جهة أخرى، على أن ابن الخطيب جنح عندئذ إلى الاستبداد وسوء المسلك والسيرة. وإليك كيف يصف صديقه ومعاصره ابن خلدون هذه الرحلة من حياته:

"وغلب على هوى السلطان، ودفع إليه تدبير الدولة، وخلط بنيه بندمائه وأهل حكومته، وانفرد ابن الخطيب بالحل والعقد، وانصرفت إليه الوجوه، وعلقت به الآمال، وغشى بابه الخاصة والكافة، وغصت به بطانة السلطان وحاشيته، فتفننوا فى السعاية فيه" (٢).

وأنفق ابن الخطيب بضعة أعوام أخرى فى الوزارة وهو يستأثر بكل سلطة ويتصرف تصرف الحاكم المطلق، ويثير حوله ضراماً من البغضاء والحسد. وكان السلطان يعرض فى البداية عن الإصغاء لأعدائه والوشاة به، ولكنه بدأ فى النهاية يتأثر بسعايتهم. وشعر ابن الخطيب أنه قد بدأ يتغير عليه، وخشى العاقبة، فعول على مغادرة الأندلس، واستأذن السلطان فى تفقد الثغور الغربية، وسار إليها فى نفر من خاصته ومعه ولده على، وما كاد يصل إلى جبل الفتح (جبل طارق)، حتى عبر البحر إلى سبتة (٧٧٢ هـ)، وذلك بتفاهم سابق بينه وبين السلطان عبد العزيز المرينى، ملك المغرب، وكان يقيم يومئذ فى تلمسان عقب افتتاحه لها، فقصد إليها ابن الخطيب، واستقبله السلطان بحفاوة، وأنزله أكرم منزل، وبعث سفيراً إلى الأندلس ليسعى فى استقدام أسرة الوزير المنفى، فأتى بها معززة مكرمة،


(١) نفح الطيب ج ٣ ص ٤١.
(٢) ابن خلدون فى كتاب العبر ج ٧ ص ٣٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>