للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توجسه القديم منه، وسخطه عليه، فلم يمض سوى قليل حتى اعتزم المنذر أمره، وأمر بالقبض على هاشم وأولاده وصحبه، ثم دس عليه في سجنه من قتله، وهدم داره، واستصفى أمواله، وكان ذلك في جمادى الأولى سنة ٢٧٣ هـ، أعني لشهرين فقط من ولايته. وكانت ضربة جريئة تنبىء عن قسوته وصرامته.

واستمر أولاد الحاجب القتيل في السجن، حتى أطلقوا بعد وفاة المنذر أيام أخيه الأمير عبد الله، وردت إليهم أموالهم (١). وفي تلك المحنة يقول هاشم بن عبد العزيز من شعر نظمه في سجنه:

سأرضى بحكم الله فيما ينوبني ... وما من قضاء الله للمرء مهرب

فمن يك أمسى شامتاً بي فإنه ... سينهل في كأسي وشيكاً ويشرب

وندب المنذر لحجابته مكان الحاجب المقتول، عبد الرحمن بن أمية بن شهيد وقد لبث بنو شهيد حسبما رأينا عصراً يستأثرون بمناصب الحجابة والكتابة.

وسير المنذر بعد ذلك بقليل حملة إلى طليطلة. وكانت قد عادت إلى الثورة، واجتمع إلى أهلها كثير من البربر المنفيين من مدينة ترجيله أو ترجاله (٢)، الواقعة جنوبي غربي طلبيرة، فهزم الثوار وقتل منهم ألوف (٣). وفي نفس هذا العام أيضاً، غزا محمد بن لب زعيم الثغر الأعلى السابق، ألبة والقلاع، وقاتل النصارى وهزمهم، وكان قد نزل عن سرقسطة حسبما تقدم وعاد إلى سابق ولائه (٤).

على أن أعظم ما كان يشغل المنذر، هو القضاء على ابن حفصون عماد الثورة ومثير ضرامها في الجنوب. وكان ابن حفصون مذ بلغته وفاة الأمير محمد ورحل عنه المنذر، قد اشتد بأسه وقويت نفسه، وأخذ يعمل لإخضاع القواعد والحصون الجنوبية كلها، فبسط سلطانه على كورة ريه بأسرها، وامتد سلطانه إلى أرشدونة ومالقة وجيان وإستجة وغيرها. واجتمع إليه المغامرون والخوارج من سائر أقطار الأندلس، وأخذ يطمح إلى الاستيلاء على الأندلس كلها، وأظهر الدعوة لبني العباس، وكاتب ابن الأغلب أمير إفريقية (تونس) في ذلك، ولكن ابن الأغلب


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ١١٨ و١١٩.
(٢) وهي بالإسبانية Trujillo.
(٣) البيان المغرب ج ٢ ص ١١٩.
(٤) البيان المغرب ج ٢ ص ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>