للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالفتن، وصار في كل جهة متغلب، ولم تزل كذلك طول ولايته " (١).

والحقيقة أن الثورة كانت قد استفحلت، واندلع لهيبها في كل ناحية، ولم تبق قاصرة على المناطق الجبلية، بل تجاوزتها إلى القواعد والمدن الكبيرة، مثل إشبيلية وبطليوس وجيان ولورقة ومرسية وغيرها؛ ولم تبق كذلك قاصرة على زعماء المولدين الذين تحدوهم نحو حكومة قرطبة عاطفة بغض طبيعي، ولكنها امتدت الى زعماء القبائل العربية أنفسهم، إذ رأوا الفرصة سانحة لاستقلالهم، وتدعيم سلطانهم؛ وظهر البربر في الوقت نفسه في الميدان، فاستعصم كثير من زعمائهم بالحصون النائية، ونشبت المعارك العنصرية القديمة بين العرب والمولدين حيثما التقت حشودهم، كما حدث في كورة ريُّه وإشبيلية؛ ونشبت مثل هذه الخصومات بين العرب والبربر، وفيما بين العرب أنفسهم، واستقل زعماء العرب بإلبيرة وجيان ومنتيشة ولورقة ومدينة سالم، واستقل زعماء المولدين بالثغر الأعلى وبطليوس وباجة وجيان ومرسية، وغدت إشبيلية مسرحاً للتنافس الدموي بين العرب والبربر، وبسط ابن حفصون سلطانه على معظم الأنحاء الجنوبية الغربية فيما بين البحر ووادي شَنيل؛ وهكذ عمت الثورة معظم جنبات الأندلس، ولم يبق لحكومة قرطبة سلطان حقيقي إلا في منطقة العاصمة وأحوازها.

- ١ -

كان عبد الله يواجه هذه الخطوب كلها. وكان يرى إخماد الفتنة مسألة حياة أو موت بالنسبة لسلطان العرش، وكانت هذه مهمته الشاقة التي كرس لها كل جهوده. وكان يرى أن الثورة في الجنوب هي أخطر ما يواجه العرش، وأن ابن حفصون قد غدا قوة يخشى بأسها، وأنه يجب أن تكرس الجهود لتحطيم ثورته وسحق قواه. وكان ابن حفصون يشعر من جانبه، بأنه يواجه قوة العرش كلها، ومن ثم فقد حاول عقب ارتقاء الأمير عبد الله أن يحصل على هدنة يستطيع خلالها أن ينظم شئونه ويوطد سلطانه؛ فبعث إلى قرطبة ابنه حفصاً مع جماعة من أصحابه ليعقدوا السلم باسمه مع عبد الله، على أن يستقر في منطقة ببشتر في طاعة الأمير، فاستجاب عبد الله إلى طلبه، ورد ابنه وصحبه رداً جميلا وأجزل لهم الصلات، وبعث معهم عبد الوهاب بن عبد الرؤوف والياً من قبله على كورة ريُّه ليكون مع


(١) ابن الأثير ج ٧ ص ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>