للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن حفصون وتعرف مبلغ خطره، ومقدرته على العدوان والبغي، وكان ابن حفصون من جانبه، يعمل جاهداً لتنظيم قواه واستكمال أهبته، لاستئناف صراعه المرير مرة أخرى.

ومن ثم فإنه لم يمض عامان على موقعة بلاي، حتى عادت الصوائف تتردد ْلغزو ابن حفصون ومطاردته. ففي سنة ٢٨١ هـ (٨٩٤ م) سار المطرف بن الأمير عبد الله في جند الأندلس إلى كورة ريه، وحاصر ابن حفصون في ببشتر معقله، وعاث في بسائطه. وآثر ابن حفصون في البداية أن يستعصم بمعقله، ثم خرج إلى لقاء المطرف فهزم، وقتل في هذه الموقعة حفص بن المرة أشجع قواد ابن حفصون وأشدهم مراساً (١). فلما عادت جند الأمير إلى قرطبة، عاد ابن حفصون يدبر خطط العدوان، ثم جمع جموعه وزحف على إستجة، واستولى عليها للمرة الثانية، وذلك في سنة ٢٨٤ هـ (٨٩٧ م) (٢). وإستجة تقع جنوب غربي العاصمة على مسافة غير بعيدة عنها، فبادر الأمير عبد الله باستقدام الجند من النواحي، وفي العام التالي (٢٨٥ هـ) سير ولده أبان لقتال ابن حفصون ومعه القائد أحمد بن أبى عبدة. واخترقت الحملة الجزيرة الخضراء، وعكفت على مهاجمة الحصون الخارجية حتى وصلت إلى طريف، ثم ارتدت إلى ببشتر ثم إلى أرشدونة ثم إلى إلبيرة وحصن شلوبانية؛ ونشبت بينها وبين قوات ابن حفصون عدة معارك محلية، ثم عادت إلى قرطبة عن طريق وادي آش (٣). ولكن هذه المعارك لم تسفر عن أية نتيجة حاسمة، واقتنعت حكومة قرطبة بأنه لا بد من مضاعفة الأهبة لكي تستطيع أن تضع حداً لعدوان الزعيم الثائر.

وفي سنة ٢٨٥ هـ (٨٩٨ م) عقد ابن حفصون ومحمد بن لب زعيم بني قسي حلفاً متبادلا، وأرسل محمد ولده لباً في بعض قواته إلى ابن حفصون ليوثق هذا التحالف؛ ولكن لباً لم يلبث أن تلقى نبأ موت أبيه أمام أسوار طليطلة، فغادر ابن حفصون دون أن يبرم أمراً، وهكذا فشل هذا التحالف قبل نضجه (٤)، وفي سنة ٢٨٦ هـ (٨٩٩ م) أعلن عمر بن حفصون اعتناقه للنصرانية هو وسائر


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ١٤٢. وراجع Dozy: Hist.V,II, p. ٨٤.
(٢) المقتبس ص ١٠٨.
(٣) المقتبس ص ١٢٢.
(٤) المقتبس ص ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>