للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله ودفعوا إليه الجزية، واستولى في عودته على بعض الحصون. وكانت هذه أول غزوة للنصارى على ضفاف نهر التاجُه، بيد أنها كانت غزوة عابرة ولم تخلف أثراً ثابتاً. وأما الثغر الأعلى فقد كان بنو قسيّ، وفي مقدمتهم لب بن محمد بن لب، يحاربون ألفونسو ويحاربهم من وقت إلى آخر.

وكان من الحوادث البارزة في عهد الأمير عبد الله افتتاح الجزائر الشرقية (جزائر البليار). وقد رأينا فيما تقدم كيف أرسل عبد الرحمن بن الحكم في سنة ٢٣٤ هـ (٨٤٨ م) حملة بحرية إلى ميورقة لغزوها، ومعاقبة أهلها على تعرضهم لسفن المسلمين وكيف تعهد أهلها بالجزية والولاء. وفي أواخر عهد الأمير عبد الله في سنة ١٩٠ هـ (٩٠٣ م) سار عصام الخولاني إلى ميورقة في قوة بحرية من المجاهدين، فحاصرها تباعاً، وكان عصام قد حملته الرياح قبل ذلك وهو في طريقه إلى الحج إلى ميورقة فعرفها، واختبر أحوال هذه الجزائر الغنية، وأدرك سهولة فتحها وعرض مشروعه على الأمير عبد الله، فأقره وأمده بالسفن والقطائع. ولما وفق إلى فتحها أقره الأمير على ولايتها. ومن ذلك الحين تدخل الجزائر الشرقية في حظيرة المملكة الإسلامية (١).

وكان أيضاً من الحوادث البارزة في هذا العهد الحافل بالخطوب والمحن، المجاعة الشديدة التي وقعت في سنة ٢٨٥ هـ (٨٩٨ م) والتي قاست الأندلس منها الشدائد والأهوال.

- ٤ -

وتوفي الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن في مستهل ربيع الأول سنة ٣٠٠ هـ (أكتوبر سنة ٩١٢ م) في الثانية والسبعين من عمره، بعد أن حكم خمسة وعشرين عاماً ملؤها الاضطراب والفتن. وكان أميراً ورعاً جم التقشف والتواضع، جواداً محباً للخير، كثير البر بالفقراء وذوي الحاجات، يفرز لهم سهماً من مال الجبايات (٢)، عالماً أديباً فصيحاً رفيع البيان، ينظم الجيد من الشعر. وكان بالرغم مما شغله، طوال حكمه من الفتن والخطوب، شديد العناية بشئون الحكم وتوطيد أركانه، وتعرف أحوال الشعب ورغباته، وكان من أشد الناس حرصا على


(١) ابن خلدون ج ٤ ص ١٦٤.
(٢) المقتبس ص ٣٣ و٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>