وفي هذه السنة أيضا (٣٢٣ هـ)، عقد السلم بين الناصر لدين الله وراميرو ملك ليون. وكان راميرو، على أثر الغزوة المخربة التي قام بها المسلمون في أراضيه، قد بعث رسله إلى الناصر في التماس الصلح، فبعث إليه الناصر وزيره يحيى بن يحيى بن إسحاق سفيراً، فاجتمع في ليون مع راميرو، وعقد معه شروط الصلح. ووقع الناصر هذه المعاهدة في منتصف ربيع الثاني من هذه السنة (مارس ٩٣٥ م)، في يوم مشهود. وكان الناصر يرمي بعقد هذا الصلح إلى إبعاد ملك ليون من التفاهم مع محمد بن هاشم صاحب سرقسطة ومعاونته. بيد أن هذا الصلح لم يدم طويلا، لما كان يجيش به راميرو من رغبة ملحة في النكث والتفاهم مع الخارجين على حكومة قرطبة (١).
ذلك أن بذور الثورة كانت تختمر في الثغر الأعلى، وكان النصارى إلى جانب ذلك يتحينون الفرصة للنهوض والانتقام. وكانت طوطة ملكة نبرّة الوصية على ولدها غرسية، قد لزمت السكينة حيناً وفقاً لمعاهدة السلم التي عقدتها مع الناصر، ثم تحرك البشكنس بعد ذلك وأغاروا على بعض الحصون الإسلامية (٩٣٧ م). وظهرت في الوقت نفسه في الولايات الشمالية أعراض فتنة خطيرة. ذلك أن بني هاشم التجيبيين سادة سرقسطة، لم يكونوا دائماً على وفاق مع حكومة قرطبة، وكانت تحدوهم أطماع كثيرة. وكانوا يخشون عواقب السياسة التي يتبعها الناصر في إخضاع الولاة المحليين، وسحق سلطان الأسر القديمة، وكان وجودهم في الشمال بين الممالك النصرانية يفسح لهم مجال التآمر والخروج. وكان أبو يحيى محمد بن عبد الرحمن التجيبي، حينما توفي في سنة ٣١٢ هـ، قد خلفه ولده هاشم بمصادقة الناصر، وحكم سرقسطة، وضبط الثغر، واشترك في الغزو مع الناصر، وتوفي في سنة ٣١٨ هـ. فطلب ولده محمد بن هاشم التجيبي إلى الناصر أن يقره على ولاية سرقسطة، فلم يجبه إلى ذلك، فسار محمد إلى قرطبة مؤكداً لولائه، فصدر الأمر بتوليته في رجب سنة ٣١٩ هـ، والتزم بأن يورد قسماً من الجباية. ولما سار الناصر في سنة ٣٢٢ هـ إلى الغزو بعث إلى أهل الثغور لموافاته، فقدم إليه التجيبيون، في رجالهم، وتخلف محمد بن هاشم عنهم، وسار الناصر لقتاله، ولكنه تحول