للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا كانت موقعة شذونة التي دالت فيها دولة القوط، بعد أن لبثت زهاء ثلاثمائة عام منذ قيامها في غاليس، وغنم الإسلام فيها ملك إسبانيا. وتحيط الرواية الإسلامية حوادث الفتح بطائفة كبيرة من الأساطير والقصص التي لا يستطيع المؤرخ أن يقف بها (١). بيد أنه يجدر بنا في هذا المقام أن نذكر ما تعرضه الرواية من أن طارقا خطب جنده قبيل نشوب المعركة الحاسمة؛ كما أنه يجدر بنا أن نورد نص هذا الخطاب الشهير الذي ينسب لفاتح الأندلس، والذي يعتبر نموذجا بديعا من الفصاحة والحماسة الحربية وهو:

" أيها الناس: أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم. وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيوشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم. وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرا، ذهبت ريحكم وتعوضت. القلوب عن رعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم، بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خطة أرخص متاعا فيها للنفوس، أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفه الألذ طويلا، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفي من حظي. وقد بلغكم ما أنشات هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمرجان.


= ج ١ ص ١٢١). وقال ابن الأبار في الحلة السيراء إنهم عثروا على جواد ردريك وسرجه من ذهب وزبرجد وإحدى نعليه وغاب شخصه، فما وجد حيا ولا ميتا (ليدن ص ٣١). وهذه هي أيضا رواية صاحب " أخبار مجموعة " (ص ٦)، وقال ابن عذارى إن ردريك اختفي ولم يعرف له موضع ولا وجدت له جثة، وإنما وجد له خف مفضض، فقالوا إنه غرق وقالوا إنه قتل (ج ٢ ص ١٠)؛ وتردد بعض التواريخ الغربية هذه الرواية (كامي جوليان في تاريخ " غاليس " ص ٧٥٨). وتقول بعض الروايات الإسبانية إنه فر إلى مغار ناسك، والبعض الآخر إنه ألقى حيا إلى بئر ملأى بالأفاعي حيث صاح: " وإنها تلتهم الجزء الذي ثقلته بالخطايا " (جيبون الهامش في الفصل الحادي والخمسين).
(١) راجع رواية ابن عبد الحكم عن فتح الأندلس (ص ٣٠٤ وما بعدها) فقد تخللها بعض هذه الأساطير، ولكن المقري يستوعب الكثير منها نقلا من مختلف الروايات (نفح الطيب ج ٦ ص ١١٤ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>