للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلف الناصر أكبر ولده الحكم المستنصر بالله بعهد منه، وكان الناصر قد آثره منذ حداثته على سائر إخوته وولاه عهده (١). وقيل إنه أخذ له بيعة العهد وهو طفل لم يجاوز الثامنة. وبويع الحكم في اليوم التالي لوفاة أبيه، في الثالث من رمضان سنة ٣٥٠ هـ (١٦ أكتوبر ٩٦١ م)، وكان الحكم يومئذ في نحو الثامنة والأربعين من عمره، إذ كان مولده حسبما تقدم بقرطبة في ٢٤ من جمادى الأولى وقيل في غرة رجب سنة ٣٠٢ هـ (٩١٥ م) (٢)، وأمه أم ولد تدعى مرجان.

وأخذت البيعة للخليفة الجديد في قصر الزهراء. وجلس الحكم على سرير الملك في البهو الأوسط الذهبي، واجتمع إخوته، وسائر الوزراء ورجال الدولة، وأكابر الفتيان الصقالبة، ومن دونهم من رجال الخاص، وأهل الخدمة، وأكابر الجند، انتظموا جميعاً وفق مراتبهم في المجلسين الشرقي والغربي، وفي مختلف الأروقة، وانتظم الحرس وفرسان الحشم وطبقات الجند، فيما وراء باب السُّدة، صفوفاً متصلة حتى باب المدينة. ولما تمت البيعة، أذن للناس في الانصراف، إلا الإخوة والوزراء ورجال الخاصة، فإنهم لبثوا بالقصر، حتى احتمل جسد الخليفة الذاهب (الناصر) إلى قصر قرطبة ليدفن هنالك في مقبرة القصر (٣).

ولم يكن الحكم حين ولايته، محدثاً في شئون الملك، بل لقد مارسها في حياة أبيه، وكثيراً ما ندبه أبوه لمباشرة المهام والشئون الخطيرة، فكان عند جلوسه أميراً مكتمل النضج والخبرة.

واستهل الحكم عهده بالنظر في توسيع المسجد الجامع، وأصدر بذلك مرسومه في اليوم التالي لجلوسه. وكان المسجد الجامع قد ضاقت جنباته بجموع المصلين، فقرر توسيعه من الناحية الشرقية على طول الجامع من الجنوب إلى الشمال حتى صحنه. وبلغت الزيادة نحو مساحة الجامع، فتضاعف بذلك حجمه. وابتنى الحكم محرابه الثالث، واستغرق بناؤه أربعة أعوام، وعملت له قبة فخمة زخرفت


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٤٤؛ وأعمال الأعلام لابن الخطيب (المطبوع ببيروت سنة ١٩٥٦) ص ٤١.
(٢) الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب (القاهرة سنة ١٩٥٦) ج ١ ص ٤٨٧، والحلة السيراء لابن الأبار ص ١٠٢. وراجع ص ٣٧٨ من هذا الكتاب.
(٣) نفح الطيب ج ١ ص ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>