للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاسم (١). هذا وسوف نجري منذ الآن فصاعداً على تسمية ابن أبي عامر باسمه الملكي: المنصور.

وكان المنصور حين استقدم جعفراً بن علي الأندلسي، ورفعه إلى خطة الوزارة ليعارض به نفوذ القائد غالب، وليوثق بوجوده مودة البربر وتأييدهم، يتوجس مع ذلك من وجوده وسلطانه، ويخشى أطماعه ومشاريعه، في الناحية الأخرى من البحر، فما كاد ينتهي من أمر غالب، ومن ترتيب رسومه الملكية، حتى قرر أمره، فدعاه ذات مساء إلى مأدبة حافلة، وأغرى به السقاة حتى فقد وعيه، ثم دس عليه في طريقه إلى منزله من قتله، وحمل إليه رأسه سراً (٣٧٢ هـ).

فتظاهر المنصور بالحزن على ضحيته، وكانت هذه الجريمة المثيرة، عنواناً لبعض النواحي القاتمة، في خلاله وفي وسائله السياسية (٢).

وفي ذلك الحين كانت الأحوال قد اضطربت في ليون، وفقد راميرو الثالث من جراء هزائمه المتوالية كل عطف وتأييد، وزاد الشعب نقمة عليه، محاولاته في توسيع سلطانه، وتمكين حكمه المطلق. وما لبثت جليقية أهم ولاياته، أن اضطرمت بالثورة، وقرر أشرافها خلع راميرو، وتولية ابن عمه برمودو (أو برمند) ملكاً مكانه. وفي أكتوبر سنة ٩٨٢ م، توج هذا الأمير ملكاً على ليون في مدينة شنت ياقب. فسار راميرو إلى محاربته ونشبت بينهما موقعة شديدة غير حاسمة، في بلدة بورتليا دي أريناس، على حدود ليون وجليقية، ثم عاد برمودو إلى جمع قواته، وسار لمحاربة خصمه. مرة أخرى، فهزمه واستولى على مدينة ليون في مارس سنة ٩٨٤. فالتجأ راميرو إلى مدينة أسترقة، والتمس مساعدة المنصور، على أن يعترف بطاعته؛ ولكنه توفي بعد ذلك بأشهر قلائل؛ وحاولت أمه أن تحكم مكانه بمعاونة المنصور، فأبى المنصور أن يستمع إليها وأدرك برمودو من جهة أخرى أنه لن يستطيع مقاومة الأشراف المعارضين لحكمه إلا بمعاونة المسلمين، فتقدم إلى المنصور، وعرض أن يعترف بطاعته، فقبل المنصور وأمده بجيش، استطاع أن يخضع به سائر المملكة، وأن يوطد حكمه. وبقيت بعد ذلك في مدينة ليون حامية كبيرة من المسلمين.


(١) ابن خلدون ج ٤ ص ١٤٨، والبيان المغرب ج ٢ ص ٢٩٩، و٣٠٠.
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ٣٠١، وأعمال الأعلام ص ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>