للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حافظت عصراً على استقلالها، ثم اندمجت بعد ذلك في مملكة أراجون القوية (١).

واخترق المنصور بجيشه قطلونية، وهزم قوات أميرها الكونت بوريل، في أواخر شهر يونيه، وأشرف على ظاهر برشلونة في اليوم الأول من يوليه، ولم تمض أيام قلائل حتى اقتحم المسلمون المدينة، ودخلوها في يوم الاثنين منتصف صفر، سنة ٣٧٥ هـ، الموافق سادس يوليه سنة ٩٨٥ م (٢). ودمر المسلمون المدينة وأحرقوها، وقتلوا معظم أهلها، وتركوها قاعاً صفصفاً، وكان بين الأسرى أودلرادو نائب كونت برشلونة، فاقتيد إلى قرطبة، حيث قضى في الأسر أعواماً طويلة. والظاهر أن المنصور لم يحاول الاحتفاظ ببرشلونة، ولم تكن لديه نية افتتاحها بصورة دائمة، ولكنه قصد أن يدمر قوى النصارى في هذا الطرف النائي من شبه الجزيرة الإسبانية.

* * *

وما كاد المنصور يرتد بجيشه إلى قرطبة، حتى استغرقت حوادث المغرب جل اهتمامه. وقد فصلنا فيما تقدم عند الكلام على عهد عبد الرحمن الناصر، ثم عهد ولده الحكم المستنصر، أدوار الصراع الذي نشب في المغرب الأقصى، بين الفاطميين مذ قامت دولتهم في إفريقية، وبين بني أمية، ورأينا كيف استطاع الحكم المستنصر، بعد سلسلة من الأحداث المثيرة، والمعارك الطاحنة، بينه وبين الفاطميين وحلفائهم الأدارسة بالمغرب، أن يقضي على قوى الشيعة والأدارسة، وكيف استسلم إليه الأدارسة وكبير زعمائهم الحسن بن كنون في سنة ٣٦٣ هـ، واستقروا حيناً في كنفه في قرطبة، ثم خرجوا منها بعد ذلك بعامين، وساروا إلى مصر حيث استقروا بها في كنف خليفتها الفاطمي العزيز بالله.

وكان العزيز قد شغل في أوائل ولايته، برد خطر القرامطة عن مصر والشأم؛ فلما تمت هزيمة القرامطة، وزال خطرهم (٣٦٨ هـ)، عاد إلى الاهتمام بشئون المغرب، وثاب له رأي في العمل على استعادة سلطان الدعوة الفاطمية، وسحق


(١) راجع تفاصيل ذلك في القسم الأول من العصر الأول من " دولة الإسلام في الأندلس " ص ٢٣٤ - ٢٣٦.
(٢) تتفق الروايات النصرانية مع الرواية الإسلامية في تحديد تاريخ دخول المسلمين لبرشلونة
على هذا النحو. راجع الإحاطة لابن الخطيب (القاهرة) ج ٢ ص ٧١. وكذلك Dozy: Hist. Vol. II. p. ٢٣٩. والمراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>