للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتالهم وطاردهم حتى مدينة بنبلونة عاصمة نافار؛ وهنا تقول الرواية النصرانية إن البشكنس انقلبوا إلى الهجوم، وهزموا المسلمين (أواخر ٩٨٧ م). ثم تزيد على ذلك أن جيشاً من الفرنسيين، قد سار في نفس الوقت إلى برشلونة، تعاونه سفن من البحر، فاستولى عليها، ولم تلبث طويلا في يد المسلمين. وقد رأينا فيما تقدم أن المسلمين حين غزوا برشلونة، لم يقصدوا إلى الاحتفاظ بها، بل اكتفوا بتخريبها وإحراقها.

على أن الرواية الإسلامية تحدثنا عن غزوة نافار هذه، دون أن تشير أية إشارة إلى هزيمة المسلمين، وهي تسميها بغزاة البياض، وتضع تاريخها في سنة ٣٧٩ هـ (٩٨٩ م)، وتقول لنا إن المنصور عاد بجيشه إلى سرقسطة، حيث التقى هنالك بولده عبد الملك أثر عوده من حروب المغرب (١).

وما كادت تمضي أشهر قلائل، حتى عاد المنصور لاستئناف الغزو؛ فخرج في ربيع سنة ٣٧٨ هـ (٩٨٨ م) في جيش ضخم، وعبر نهر دويرة، واخترق أراضي ليون شمالا، فرابط برمودو معظم قواته بمدينة سمُّورة، اعتقاداً منه أن المنصور سيبدأ بمهاجمتها، ولكن المنصور سار تواً إلى مدينة ليون، فقاومته حيناً لمناعة قلاعها، ولكنه اقتحم أسوارها، بعد قتال رائع، قتل فيه قائدها الكونت جونزالفو كونثالث، ودخلها المسلمون فخربروا صروحها، وأبادوا سكانها، وغادروها أطلالا دارسة. وسار المنصور بعد ذلك جنوباً إلى سمورة، وأحرق في طريقه عدداً من الأديار ومنها ديري إسلونزا وسهاجون العظيمين، وضرب الحصار حول المدينة، فغادرها برمودو سراً، واضطر السكان إلى تسليمها إلى المنصور، فأمر بنهبها، واضطر معظم نبلاء المملكة (الكونتات) إلى الاعتراف بطاعته، ولم يبق بيد برمودو من مملكته، سوى الرقعة الجبلية الشمالية الغربية من جليقية (٢).

وفي العام التالي وقعت بالثغر الأعلى حوادث هامة. وكان الثغر الأعلى وقاعدته سرقسطة، لوقوعه في أقصى الشمال بعيداً عن قرطبة، يغدو في فرص


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٣٠٢ و٣٠٣.
(٢) ابن خلدون ج ٤ ص ١٨١. وكذلك Cronica General ; ibid ; Vol. II. p. ٤٤٦. و Dozy: Hist. Vol. II. p. ٢٤٤ & ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>