بلغت مستوى من القوة والبأس، يتيح لها أن تخوض مع المملكة الإسلامية صراعاً عنيفاً.
وقد رأينا كيف بلغ هذا الصراع ذروته في عهد الناصر، وكيف أنه بالرغم مما حققه الناصر من إخماد الفتنة، وإحياء قوة الأندلس، استطاع النصارى بقيادة ملكهم أردونيو الثاني، أن يحرزوا على المسلمين نصرهم الخطير، في موقعة شنت إشتيبن في سنة ٩١٧ م.
وكانت موقعة شنت إشتيبن، وما تلاها من تكرر غزو النصارى للأراضي الإسلامية، نذيراً خطيراً لحكومة قرطبة. ولكن وفاة أردونيو الثاني في سنة ٩٢٥ م وضع حداً مؤقتاً لتلك الفورة القومية، التي جاشت بها اسبانيا النصرانية. ذلك أن أخاه وخلفه فرويلا، لم يحكم سوى عام واحد، ثم توفي، فاضطرم النزاع على العرش بين سانشو وألفونسو ولدى أردونيو، وانتهى بأن فاز ألفونسو بالعرش بمعاونة صهره وحميه سانشو ملك نافار. ولكن سانشو لم ييأس، فجمع جيشاً جديداً، وتوج نفسه ملكاً في شنت ياقب في أقاصي جليقية، ثم زحف على ليون فحاصرها واستولى عليها، وارتقى العرش مكان أخيه. فعاد ملك نافار إلى مؤازرة ألفونسو ومعاونته، حتى استطاع أن يهزم أخاه، وأن يستولى على مدينة ليون مرة أخرى. بيد أن أخاه سانشو لبث محتفظاً بجليقية؛ مصراً على دعواه في الملك.
واستمرت الحرب الأهلية بين النصارى أعواماً، وانتهى طورها الأول، حينما توفي سانشو ابن أردونيو في سنة ٩٢٩ م، واستقر الملك لأخيه ألفونسو الرابع دون منازع. ثم بدأ طورها الثاني في سنة ٩٣١ م، ففي تلك سنة توفيت زوجة ألفونسو، فحزن لفقدها أيما حزن، وغلب عليه اليأس والزهد، فتنازل عن العرش لأخيه راميرو ثاني ملوك ليون بهذا الإسم، ولجأ إلى دير ساهاجون واعتنق الرهبانية، ولكنه عافها بعد قليل، فترك عزلة الدير، ونادى بنفسه ملكاً في حصن شنت منكش Simancas، وكان عمله في نظر الرهبان عاراً كبيراً، فأثاروا عليه دعاية شديدة، حتى اضطر أن يعود إلى الرهبانية. وقد كان ألفونسو في الواقع " أميراً أصلح لقلنسوة الراهب منه لتاج الملك، وأشد شغفاً بالمقدس منه بميدان الحرب "، ولكنه ما لبث أن انتهز فرصة مسير أخيه راميرو إلى نجدة