من نير المنصور، فهاجم الحامية الإسلامية، واستخلص مدينة ليون من يدها, فنهض المنصور لمحاربته، وسار إلى مدينة ليون فاقتحمها وخربها، ومزق قوى النصارى، ثم استمر يغزو أراضي ليون تباعاً، ويوقع الهزائم المتوالية ببرمودو، حتى اضطر برمودو إلى طلب الصلح، والعودة إلى الاعتراف بالطاعة (٩٩٥ م)، وقد رأينا كيف سار المنصور بعد ذلك، إلى غزو مدينة شنت ياقب عاصمة إسبانيا النصرانية الروحية (٩٩٧ م)، وكيف انضم إليه في تلك الغزوة معظم أشراف جليقية. وعندئذ لم ير برمودو مناصاً في النهاية، من العود إلى التماس الصلح، والاعتراف بالطاعة، ونبذ كل مقاومة. فأجابه المنصور إلى طلبه.
وعاش برمودو بعد ذلك عامين آخرين، قضاهما في إصلاح الكنائس والأديار والقلاع، التي هدمت خلال الحرب. ثم توفي سنة ٩٩٩ م، فخلفه ولده ألفونسو الخامس طفلا. وقام بالوصاية عليه الكونت مننديث كونثالث أحد أشراف المملكة (١).
٣ - مملكة نافار
أشرنا فيما تقدم إلى نشأة مملكة نافار المستقلة، في أواخر القرن التاسع الميلادي، وكيف تولى عرشها سانشو غرسية (الأول)، عقب اعتزال أخيه فرتون الملك في سنة ٩٠٥ م. وقد عمل سانشو على توسيع أطراف مملكته الصغيرة، واستطاع أن يدفع حدودها جنوباً حتى ناجرة، وخاض مع المسلمين حروباً عديدة، أيام الأمير عبد الله، وفي أوائل عهد الناصر. وقد غزا الناصر نافار سنة ٩٢٠ م، ثم بعد ذلك في صائفة ٩٢٤ م، ودخل عاصمتها بنبلونة وخربها، وسحق قوى نافار، وقضى على كل مقاومة من جانبها وكل نزعة للعدوان.
ولما توفي سانشو في سنة ٩١٦ م، خلفه ولده غرسية سانشيز طفلا، وحكم أولا تحت وصاية عمه خمينو غرسيس، ثم بعد ذلك تحت وصاية أمه الملكة طوطة، التي لبثت تحكم باسمه طويلا، حتى بعد أن بلغ سن الفتوة والنضج. وكانت نافار خلال ذلك ترتبط برباط المصاهرة، مع المملكتين النصرانيتين الأخريين. فقد كان أردونيو الثالث ملك ليون متزوجا من أوراكا إبنة الملكة طوطة وأخت غرسية. وكان فرنان كونثالث كونت قشتالة متزوجاً من إبنة أخرى لطوطة هي
(١) ابن خلدون، ج ٤ ص ١٨١؛ وكذلك Altamira: ibid, Vol. I. p. ٢٤٦.