للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن هذه السلطات لم تكن متساوية في جميع الأحوال والعصور، وقد تعدلت بمضي الزمن، وانتقصت أطرافها، أحياناً بطريق التنازل من جانب الملوك، وبخاصة لأن الملك لم يكن يزاول هذه السلطات بطريق مباشر.

وكان الأشراف يتمتعون داخل أملاكهم، بقدر كبير من الاستقلال، ويبسطون حكمهم على طائفة كبيرة من الأراضي والقرى والضياع والحصون، وكان السيد يعيش في حصنه، وهو يقع عادة في موقع إستراتيجي حصين، ويحيط به عدد من المساكن المحصنة، ويخضع لسلطته سائر سكان المنطقة، بعضهم كعبيد، والبعض الآخر من المشمولين بحمايته. وكان يجني منهم الضرائب، والإتاوات العينية، ويدعوهم للخدمة العسكرية متى دعاه الملك إلى الحرب، ويباشر القضاء بينهم، وله أن يوقع عليهم بعض الأحكام الجنائية التي تتصل بالقانون العام. وعلى الجملة فقد كان للشريف على سكان منطقته، السيادة المطلقة، وهو الذي يوزع بينهم مختلف المناصب والأعمال.

وأما القضاء قِبل الأشراف أنفسهم، فقد كان يزاوله بالنسبة للسيد، أشراف من طبقته، ولا يزاوله قضاة الملك، لأنهم لم يكونوا من الأشراف. وكان للشريف أن يشهر الحرب على زملائه الأشراف، إذا أصابه منهم حيف أو إهانة، وله أن يترك خدمة الملك دون أن يخسر شيئاً من أملاكه، بل كان له أن يشهر الثورة ضد الملك. ولم يكن يحد من هذه السلطة، التي يمنحها الملك إياه سوى أمرين، الأول الخيانة، وفي هذه الحالة يجرد الشريف من أملاكه وامتيازاته، والثاني متى ضمت لأملاكه أراض جديدة، فإنه لا يستطيع أن يبسط عليها سلطته وامتيازاته إلا بموافقة الملك.

وكان الأشراف يشاركون في مزاولة القضاء مشاركة فعلية، فقد كانوا يؤلفون جزءاً من المحاكم العادية، ويشتركون في تشكيل المحاكم الملكية كلما اجتمعت، ويحتلون كذلك بعض المناصب الإدارية الهامة. وكان لهذه المساهمة الخطيرة، أثرها في إذكاء شهوتهم إلى الاستئثار بالسلطة، وتوطيد استقلالهم المحلي، وكثيراً ما كانوا يلجأون إلى الثورة، لفرض إرادتهم على العرش، أو يتدخلون في وراثة العرش بالقوة القاهرة.

ومع ذلك فقد كان الملوك، يعمدون إلى الإغضاء في أحيان كثيرة، ولو كان

<<  <  ج: ص:  >  >>