للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج منها إبناه ومن معهم من البربر، وقام أعيان المدينة، وعلى رأسهم قاضيها محمد بن إسماعيل بن عباد، بضبط الأمور فيها، وسار القاسم وصحبه إلى بلدة شريش (١).

وفي تلك الأثناء كان يحيى المعتلي، قد سار من مالقة إلى الجزيرة الخضراء، وكانت بها أموال عمه القاسم وأسرته فاستولى عليها، واستولى أخوه إدريس والي سبتة، على ثغر طنجة، وكانت أيضاً من أعمال القاسم، وكان يعدها ملجأ له وملاذاً يحتمي به إذا ذهب سلطانه بقرطبة؛ ولما انقلب القاسم في فلوله إلى شريش سار يحيى المعتلي لقتاله، وحاصر شريش حتى سلمت، وقبض على عمه وبنيه، وحملهم في الأصفاد إلى مالقة، وهناك أودعهم السجن، وانفرد يحيى برياسة البربر، وبسط سيادته على شريش ومالقة، وسبتة وطنجة من ثغورالمغرب، وبايعه البربر بالخلافة، وسموه المعتلي بالله، وبقي القاسم في يرسف في سجنه ردحاً طويلا من الزمن، حتى قتل خنقاً في سنة ٤٣١ هـ، وهو في نحو الثمانين من عمره (٢).

وكان أهل قرطبة قد سئموا عندئذ حكم البربر وأشياعهم، وأجمعوا على رد الأمر إلى بني أمية. وكان ثمة ثلاثة من المرشحين الذين اعتبروا أصلح من بقي من بني أمية لتولي الخلافة، هم سليمان بن المرتضى، ومحمد بن العراقي، وعبد الرحمن ابن هشام بن عبد الجبار بن الناصر لدين الله، فقرر القرطبيون أن يختاروا أحدهم بطريق الشورى، وعقدت لذلك جلسة كبرى بالمسجد الجامع، حضرها الوزراء والأكابر والخاصة والعامة. وحضر سليمان بن المرتضى ومحمد بن العراقي في البداية، وكاد الاختيار يقع على أولهما، وبدىء بالفعل في تحرير مرسوم البيعة، لولا أن حضر عندئذ عبد الرحمن بن هشام في كبكبة عظيمة، ومن حوله طائفة كبيرة من الجند شاهرة السلاح، فدخل المقصورة، وعقدت له البيعة في الحال، بين دهشة الحضور واضطرابهم، وذلك في السادس عشر من رمضان سنة ٤١٤ هـ (ديسمبر سنة ١٠٢٣ م). ثم خرج من المسجد إلى القصر وقد اصطحب معه ابنى عمه سليمان والعراقي، فاعتقلهما لديه. ويصف لنا ابن حيان هذا الحفل الشهير، وكان من شهوده، بإفاضة ممتعة (٣).


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ١٣٤ و١٣٥؛ وأعمال الأعلام ص ١٣٣.
(٢) راجع البيان المغرب ج ٣ ص ١٣٥ و١٤٤؛ والمراكشي ص ٢٩.
(٣) راجع الذخيرة، القسم الأول المجلد الأول ص ٣٥ و٣٦. ويقول لنا ابن حيان إن الحفل عقد في الرابع من رمضان، والظاهر أن هناك تحريفاً، لأنه يقول لنا بعد ذلك عند مقتل =

<<  <  ج: ص:  >  >>