للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومضت بضعة أشهر؛ والحكومة في قرطبة فوضى لا ضابط لها. وأخيراً

قرر يحيى بن حمود أن يسير إلى العاصمة، فقصد إليها في قواته ودخل القصر في الخامس عشر من رمضان من نفس العام (٩ نوفمبر سنة ١٠٢٥ م)، وبقي بها إلى نهاية هذا العام، ثم غادرها في أوائل المحرم سنة ٤١٧ هـ قاصداً إلى مالقة، وترك بها وزيريه أحمد بن موسى، ودوناس بن أبي روح، يدبران شئونها، ومعهما حامية صغيرة من البربر، بيد أنه لم يمض زهاء شهرين حتى تجهمت الحوادث كرة أخرى.

ذلك أن خيران وزهير الفتيين العامريين، قصدا إلى قرطبة، وأوعزا إلى القرطبيين بالتخلص منن البربر، فثار القرطبيون فجأة، وفتكوا بالحامية البربرية، وكانت زهاء ألف رجل، وفر أحمد بن موسى وزميله دوناس إلى مالقة، وكان ذلك في العشرين من ربيع الأول من سنة ٤١٧ هـ.

وأجمع القرطبيون على أثر ذلك على رد الأمر لبني أمية، وكان عميدهم في ذلك الوزير أبو الحزم جَهْوَر بن محمد بن جهور، واتفقوا على مبايعة هشام بن محمد ابن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر، أخى عبد الرحمن المرتضى. وكان عند مقتل أخيه في سنة ٤٠٩ هـ، قد فر من قرطبة في نفر من صحبه، ولجأ إلى مدينة ألبونت في شمال شرقي الأندلس، واستظل من ذلك الحين بحماية واليها عبد الله بن قاسم الفهري. وبعث إليه أهل قرطبة بالبيعة، وهو بمقره بحصن ألبونت، فتلقاها في ٢٥ ربيع الآخر سنة ٤١٨ هـ، وتلقب بالمعتد بالله، وبقي بمقره بألبونت مدة سنتين وسبعة أشهر، وهو يخطب له بقرطبة، ثم قدم إليها في شهر ذي الحجة سنة ٤٢٠ هـ (١) فجددت له البيعة، واستمر في كرسي الخلافة عامين آخرين. وسر القرطبيون لمقدمه في البداية، ولكنه ألقى زمام الأمور إلى رجل من الموالي يسمى حكم بن سعيد القزاز، فاستأثر بكل سلطة، وأطلقت يده في الأموال، وكان أخرق عسوفاً، فجمع حوله نفراً من السفهاء العاطلين عن كل إخلاص وحزم، وأطلق العنان لغوايته وأهوائه، فاضطربت الشئون وامتعض العقلاء،


= المتيم بها طائفة من غرر قصائده. وقد لبثت ولادة عصراً تخلب بجمالها وأدبها وشعرها ألباب المجتمع القرطبي الرفيع. وتوفيت في سنة ٤٨٤ هـ (١٠٩١ م) (راجع الصلة لابن بشكوال رقم ١٥٤٠؛ وقلائد العقيان ص ٧٠، ونفح الطيب ج ٢ ص ٤٤٧ - ٤٤٩).
(١) جذوة المقتبس ص ٢٦ و٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>