للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السير، وكان شاعره الأثير أبو العلاء صاعد بن حسن البغدادي المتوفى سنة ٤١٧ هـ، وكان قد وفد من المشرق على الأندلس، في أوائل عهد المنصور، وكان عالماً باللغة والأدب والتواريخ، فقربه المنصور، وأغدق عليه عطفه، وجمع له صاعد كتاباً سماه " بالفصوص في الآداب والأشعار والأخبار " فأثابه عنه المنصور بخمسة آلاف دينار، وأمر أن يقرأه على الناس بمسجد الزاهرة (١).

بيد أن المنصور، بالرغم من شغفه بالعلم والأدب، لم يبد تسامحاً إزاء الفلسفة والفلاسفة، أو بعبارة أخرى إزاء الأفكار الحرة. وقد كانت هذه النزعة الضيقة الأفق، تمثل نفس التيار الذي يندفع فيه كل حاكم مطلق. وقد رأينا فيما تقدم كيف طورد عباس بن فرناس، في عهد عبد الرحمن بن الحكم، واتهم بالزندقة لما أبداه من براعة علمية وفنية خارقة، وكيف طورد تلاميذ ابن مسرة وطوردت تعاليمه في عهد الناصر، وأصدر الناصر منشوره بتكفيره وتكفير تلاميذه، وقد استمر هذا التيار الرجعي فيما بعد في عهد الطوائف، حيث أحرقت كتب حزم، وفيما تلا بعد ذلك من عهود، وذلك حسبما نذكره في موضعه.

وكان من أعظم شعراء الأندلس في عصر المنصور أبو عمر أحمد بن محمد ابن درّاج القسطلي. وكان كاتباً بليغاً من كتاب ديوان الإنشاء، وشاعراً لامعاً في نفس الوقت. وقد نبغ في ميدان الشعر نبوغاً جعله عمدة شعراء عصره. وكان من شعراء المنصور المقربين، وله فيه مدائح رائعة، نقلنا بعضها فيما تقدم، ولما توفي المنصور في سنة ٣٩٢ هـ، تجول ابن دراج في أنحاء الأندلس، ومدح بعض أمراء الطوائف، مثل خيران العامري صاحب ألمرية، ومبارك ومظفر صاحبا بلنسية، والمنذر بن هود صاحب سرقسطة. وقد قال العلامة ابن حزم في حقه، إنه لم يكن بالأندلس أشعر من ابن دراج، وتوفي ابن دراج في سنة ٤٢٠ هـ (١٠٢٩ م) (٢).

وكان من أكابر الفقهاء والحفاظ في عصر المنصور، عبد الرحمن بن فطيس قاضي الجماعة بقرطبة، وكان من أئمة المحدثين وكبار العلماء، حافظاً متمكناً من الحديث، عارفاً بأسماء الرجال، وله مشاركة في مختلف العلوم، وتقدم في


(١) كتاب الصلة لابن بشكوال (مصر) رقم ٥٤٠.
(٢) راجع جذوة المقتبس للحميدي رقم ١٨٦، وبغية الملتمس للضبي رقم ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>