طليطلة في أيدي النصارى، ثم تحول حملات الإنقاذ المرابطية بعد ذلك إلى حملات غازية، واستيلاء المرابطين على الأندلس تباعاً، وضمها إلى الإمبراطورية المغربية الكبرى، وذلك فيما بين سنتي ٤٨٣ - ٥٠٢ هـ (١٠٩٠ - ١١٠٨ م).
وقد راعينا في كتابة تاريخ هذا العصر، أن نتناول ممالك الطوائف، كل على حدتها، وأن نستكمل سيرتها منذ قيامها حتى مقدم المرابطين إلى شبه الجزيرة، ثم سقوطها في أيديهم، ورأينا أن هذه الطريقة تحقق من الدقة والوضوح والاستيعاب، ما لا يحققه الأسلوب المشترك، الذي سار على نهجه بعض الكتاب الغربيين.
وقد اقتضت هذه الطريقة، في بعض الأحيان، شيئاً من التكرار، في هذا الفصل أو ذاك، ولكنه تكرار بسيط وغير ممل، فضلا عن ضرورته لاستكمال السياق.
وأود أن أذكر هنا أنني قد زرت سائر قواعد الطوائف ومدنها، خلال رحلاتي المتوالية في شبه الجزيرة الإسبانية، ودرست مواقعها وخواصها ومواصلاتها.
وقد كان لهذه الدراسة الإقليمية، أكبر الأثر في تيسير فهم طبيعة الحروب الأهلية التي كانت تقوم بين ممالك الطوائف، ودوافعها الجغرافية، وتحديد مواقعها، وكذلك في تيسير مهمة الكتابة عنها، واستيعاب بواعثها وتفاصيلها.
وقد رجعت في كتابة هذا القسم من تاريخ الأندلس إلى مادة غزيرة منوعة.
ومن حسن الحظ أن قد انتهت إلينا من كتابات المعاصرين عدة آثار هامة، في مقدمتها تاريخ ابن حيان معاصر فتنة الطوائف ومؤرخها قبل كل شىء؛ وإذا لم يكن هذا التاريخ قد وصل إلينا كله بالذات، فإن ما نقل إلينا منه عن طريق الكتاب اللاحقين، ولاسيما ابن بسام وابن عذاري يحمل إلينا منه مادة قيمة. وكذلك الفيلسوف ابن حزم، وهو مثل ابن حيان معاصر للفتنة، ومتتبع لأدوارها، ودارس لظواهرها وتطوراتها، وقد انتهت إلينا منه نبذ تاريخية، وملاحظات نقدية عديدة عن خواص عصر الطوائف، تمتاز بدقتها وعميق نظراتها. ويلحق بهذين الكاتبين المعاصرين اثنان آخران عاشا في أواخر عصر الطوائف، وشهدا خواتيمه، هما ابن بسام الشنتريني، والفتح بن خاقان. ويقدم لنا ابن بسام في مؤلفه الجامع "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة"، فضلا عما ينقله إلينا من الشذور التاريخية العديدة عن ابن حيان وغيره، وما يقدمه إلينا من نبذ تاريخية بقلمه، أروع صور لتاريخ عصر الطوائف الأدبي والاجتماعي، ومجموعة حافلة