للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجناة بإرسال رأس القتيل إلى دمشق اتهام واضح للخليفة. وقد عزل سليمان، عبد الله بن موسى بن نصير عن إفريقية، في نفس الوقت. الذي قتل فيه عبد العزيز، وهو ما يؤيد هذا الفرض. أيضا. والواقع أن أكثر من رواية إسلامية وثيقة يلقى تبعة هذه الجريمة على سليمان، ويتهمه البعض صراحة بأنه مدبرها، بل لقد ذهب بعضهم إلى القول بأن سليمان لم يكتف بأن حمل الجناة إليه رأس عبد العزيز، وأنه عرضها على أبيه موسى زيادة في إيلامه والتشفي منه (١)، على أن سليمان لم يعدم من الرواة من يبرئه من ارتكاب هذه الجريمة، فقد ذكر لنا صاحب " أخبار مجموعة " أن سليمان أسف لمقتل عبد العزيز، أو بعبارة أخرى أنه برىء من تبعة مقتله، وهي الرواية الوحيدة من نوعها، وهي رواية ظاهرة الضعف (٢).

وعلى أثر مقتل عبد العزيز، اتفق الزعماء في إشبيلية على تولية أيوب بن حبيب اللخمي، وهو ابن أخت موسى بن نصير، وكان عاقلا صالحا، فهدأت الخواطر نوعاً، ولبث في ولايته ستة أشهر نقلت خلالها قاعدة الحكم من إشبيلية إلى قرطبة باتفاق الجماعة (٣). ثم أقاله محمد بن يزيد الذي خلف عبد الله بن موسى في ولاية إفريقية، وعين لولاية الأندلس الحر بن عبد الرحمن الثقفي، فقدمها في ذى الحجة سنة ٩٧ في جماعة كبيرة من وجوه إفريقية. وأنفق الحر صدر ولايته في قمع الفتن والمنازعات التي كانت قائمة بين العرب والبربر، وإصلاح الجيش، ومطاردة الخوارج والمعتدين من الجند، وتنظيم الإدارة وتوطيد الأمن، وكان صارماً جائراً شديد الوطأة. ثم سار نحو الشمال في جيش ضخم ليستعيد المدن والحصون الشمالية التي غزاها المسلمون من قبل، فعبر جبال البرنيه واخترق ولاية سبتمانيا (٤) أو لانجدوك في ربيع سنة ٧١٨ (٩٩هـ)، وكانت مدن سبتمانيا قرقشونة


(١) راجع ابن عبد الحكم ص ٢١٢ و٢١٣؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٢٢ و٢٣؛ وابن الأثير ج ٥ ص ٨، وابن القوطية (ص ٤١) وهو صريح في أن سليمان هو الذي دبر الجريمة وعهد بتنفيذها إلى جماعة معينة من الجند، وابن خلدون وهو صريح أيضا في أن الجريمة تمت بتحريض سليمان (ج ٤ ص ١١٨).
(٢) راجع أخبار مجموعة ص ٢٢.
(٣) وهناك رواية أخرى في أن الذي نقل قاعدة الحكم إلى قرطبة هو الحر الثقفي، راجع البيان المغرب ج ٢ ص ٢٤ و٢٥؛ ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٦.
(٤) سميت كذلك لاحتوائها على المدن السبعة أربونة وقرقشونة وأجدة وبيزييه ولوديف ونيمة وماجويلون.

<<  <  ج: ص:  >  >>