للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفات الباهرة المثيرة معاً، ونود هنا أن نستعرض في شىء من التفصيل خواص هذه الشخصية القوية العنيفة.

كان المعتضد بن عباد، بلا مراء، أعظم ملوك الطوائف في عصره، وأوفرهم عزماً ودهاء، وأبعدهم مطامع. وتقدمه إلينا الروايات المعاصرة في صور قاتمة، يتجلى فيها عنفه، وقسوته وغدره، والتجاؤه إلى أي الوسائل لتحقيق غاياته، مهما كانت مجافية لمبادىء الأخلاق والشهامة والفروسية. وقد رأينا فيما تقدم في تطبيق سياسته، وفي حروبه، وفي تصرفاته، ما يؤيد هذه الصفات المثيرة.

ويقول لنا ابن حيان إن المعتضد كان يتخذ سيرة سميه الخليفة المعتضد بالله العباسي قدوة له (١)، ويهتدي بأخباره السياسية "التي أضحت عند أهل النظر أمثلة هادية إلى الاحتواء على أمد الرياسة، في صلابة العصا، وشناعة السطا، فجاء منها بمهولات تذعر من سمع بها، فضلا عمن عاينها". ثم يستدرك فيقول: "نسبوا إلى هذا الأمير الشهم عباد أمثالها من غير دلالة" (٢). وقد رأينا فيما تقدم أن ابن حيان يميل أحياناً إلى الدفاع عن المعتضد، بالرغم مما يقصه من أخبار بطشه وقسوته المروعة.

وقد أنفق المعتضد بن عباد معظم حكمه في محاربة جيرانه من أمراء الطوائف، وكشف في محاربتهم عن قوة عزمه، وضخامة عدته، وإحكام خططه، ولكنه كشف في نفس الوقت عن قسوته وغدره، وروعة وسائله، وعلى أي حال فقد استطاع المعتضد بهذه الوسائل المثيرة أن يحقق أطماعه، وأن ينشىء مملكة إشبيلية الكبرى، أعظم ممالك الطوائف، وأن يوطد بها ملك أسرته، وأن يسبغ عليها نوعاً من الزعامة السياسية والأدبية لاسبانيا المسلمة كلها.

ويبدي ابن حيان حماسة في وصف سياسة المعتضد إذ يقول: "وسياسته أعيت على أنداده من أملاك الأندلس، فخرج منهم رجالا مساعير حرب أباد بهم أقتاله، ومن نادر أخباره المتناهية الغرابة، أن نال بغيته، وأهلك تلك الأمم العاتية، وإنه لغائب عن مشاهدتها، مترفه عن مكابدتها، مدبر فوق أريكته، منفذ


(١) قال ابن الأثير في وصف الخليفة المعتضد العباسي ما يأتي: " وكان شهماً شجاعاً مقداماً ذا عزم، وكان فيه شح، وكان مهيباً عند أصحابه، يتقون سطوته، ويكفون عن الظلم خوفاً منه " (ج ٧ ص ١٦٩ و ١٧٠).
(٢) ابن حيان، ونقله دوزي في Hist. Abbadidarum V.I.p, ٢٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>