للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المقطوعات. وهذه المقطوعات منوعة بين الفخر والغزل والوصف وغيرها، وكلها تدل على افتنان المعتضد، ومقدرته الشعرية الممتازة. فمن قوله في الفخر:

حميت ذمار المجد بالبيض والسمر ... وقصرت أعمار العداة على قسر

ووسعت سبل الجود طبعاً وصنعة ... لأشياء في العلياء ضاق بها صدري

فلا مجد للإنسان ما كان ضده ... يشاركه في الدهر بالنهي والأمر

ومن قوله حين استولى على رندة، وهو مما يتفق مع عنفه وصرامته:

لقد حصلت يا رندة ... فصرت لملكنا عقدة

سأفني مدة الأعداء ... إن طالت بي المدة

وتبلى بي ضلالتهم ... ليزداد الهوى جدة

فكم من عدة قتلـ ... ـت منهم بعدها عدة

نظمت رؤسهم عقدا ... فحلت لبة السدة (١)

وربما كان لهذه السجية الأدبية أكبر أثر في أن المعتضد قد نظم في سلك وزرائه جماعة من أعظم شعراء العصر وكتابه. وكان في مقدمة هؤلاء أبو الوليد بن زيدون إمام الشعر وقطبه، وكان قد انتظم من قبل في وزارة بني جهور بقرطبة، ثم ساءت أحواله فغادر قرطبة إلى إشبيلية في سنة ٤٤١ هـ، فأكرم المعتضد وفادته، وعينه في وزارته، وغمره بثقته وعطفه، وما زال متمتعاً برفيع مكانه ونفوذه حتى وفاة المعتضد. بيد أنه يبدو أنه لم يكن مطمئناً على نفسه في خدمة هذا الطاغية الخطر، حتى أنه لما توفي المعتضد نظم هذين البيتين ابتهاجاً بذهابه، ولم يظهرهما يومئذ "لأنه كان غير مأمون على الدماء، ولا حافظاً لحرية الأولياء".

ْلقد سرني أن النعي موكل ... بطاغية قد حم منه حمام

تجانب صوب الغيث عن ذلك الصدا ... ومر عليه المزن وهو جهام (٢)

ومنهم أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد البر ولد أبي عمر، صاحب كتاب "بهجة الجالس وأنس المجالس". نظمه المعتضد في سلك وزرائه، وكان كاتبه


(١) تراجع مقطوعات أخرى من شعر المعتضد فيما أورده ابن بسام في الذخيرة ونقله دوزي في: Hist. Abbadidarum V.II.p. ٤٨-٦٠. وكذلك في الحلة السيراء (١٩٦٤) ج ٢ ص ٤٣ - ٤٩.
(٢) راجع ما أورده ابن بسام، ونقله دوزي في Hist. Abbadidarum, V.II.p. ٤٨ وراجع قلائد العقيان ص ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>