ذلك أن يحيى بن ذى النون صاحب طليطلة الملقب بالقادر بالله، كان أميراً ضعيفاً سيىء الخلال، وكانت تناهضه عصبة قوية من الأعيان. وفي سنة ٤٧٢ هـ ْقامت ثورة في طليطلة أضرمها أولئك الخصوم الناقمون، وحاولوا الاعتداء عليه، ففر من المدينة ناجياً بنفسه، ولجأ إلى بعض حصونه الخارجية، وخشي أعيان المدينة انهيار النظام، وذيوع الفوضى، فاتجهوا إلى المتوكل، واستدعوه لضبط المدينة، فأجابهم كارهاً، وغادر بطليوس إلى طليطلة، وأقام بها زهاء عشرة أشهر يدبر شئونها، حتى تهيأت لأميرها المنفي سبل العودة، فغادرها المتوكل، وقد حصل من أسلاب ابن ذى النون وذخائره على قسط وافر (١).
وكان ألفونسو السادس خلال ذلك يشدد الضغط على مملكة طليطلة، ويرهقها بغاراته المتوالية، وينتسف زروعها وأقواتها، تمهيداً لمشروعه الضخم في الاستيلاء عليها. وكان القادر بن ذى النون يدافع العدو ما استطاع، ويتطلع حوله للاستنجاد بجيرانه المسلمين، فلا يجد سميعاً أو منجداً. ولم يتقدم لإغاثته سوى المتوكل بن الأفطس، فقد سار بجنده لمدافعة جند قشتالة. بيد أن ألفونسو السادس لم يشأ الدخول في معارك عقيمة، وآثر الانسحاب مؤقتاً، حتى تحين الفرصة المنشودة.
بيد أنه لم تمض على ذلك بضعة أعوام، حتى حلت النكبة بمملكة بني ذى النون، واستولى ألفونسو السادس ملك قشتالة على طليطلة، وذلك في المحرم من سنة ٤٧٨ هـ (١٠٨٥ م) حسبما نفصل في موضعه. وشعر ملك قشتالة على أثر إنزال هذه الضربة الفادحة بالمسلمين، أنه أضحى قادراً على تحدي دول الطوائف جميعاً، والقضاء عليها، واحدة بعد أخرى. وكان من أثر ذلك أن أرسل إلى المتوكل يطلب إليه تسليم بعض قلاعه وحصونه، وأن يؤدي الجزية، ويتوعده بشر العواقب إذا رفض، ولم يك ثمة شك في خطورة هذا الوعيد، بعد أن سقطت طليطلة حصن الأندلس على نهر التاجُه، وعبر النصارى نهر التاجُه لأول مرة، ومع ذلك أبي المتوكل أن يستجيب إلى الوعيد، ورد على ملك قشتالة برسالة قوية حازمة، تفيض شجاعة وإباء ونبلا يقول فيها:
" وصل إلينا من عظيم الروم كتاب مدع في المقادير وأحكام العزيز القدير، يرعد