للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن يستبقى الجزية على أربونة وغيرها من قواعد سبتمانيا. ولبث يخمد الفتن، ويصلح الأمور حتى قدم عنبسة بن سحيم الكلبي، الذي اختاره بشر بن صفوان الكلبي والي إفريقية، واليا للأندلس. وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز قد جعل الأندلس ولاية مستقلة كما قدمنا، تتبع الخلافة مباشرة. ولكن خلفه يزيد بن عبد الملك لم يقر هذا التعديل، فعادت الأندلس تابعة في إدارتها لإفريقية كما كانت.

وقدم عنبسة بن سحيم الكلبي إلى الأندلس في صفر سنة ١٠٣. وأنفق حيناً في تنظيم الإدارة، وضبط النواحي، وإصلاح الجيش، وإعداده لغزوات جديدة. وفي أواخر سنة ١٠٥ هـ (أوائل سنة ٧٢٤ م) سار عنبسة في الجيش إلى الشمال غازياً، وعبر جبال البرنيه (١) مرة أخرى، وغزا سبتمانيا التي فقد المسلمون كثيرا من معاقلها، منذ هزيمة تولوشة، واستولى على قرقشونة ونيمة وما بينهما من القواعد، وارتد القوط عن محالفة الفرنج إلى محالفته. وتابع زحفه شمالا في وادي الرون ونفذ إلى برجونية حتى مدينة أوتون فغزاها وخربها (أغسطس سنة ٧٢٥ م)، ثم غزا مدينة صانص. وخشى أودوق أكوتين أن يهاجمه المسلمون مرة أخرى، فسعى إلى مفاوضتهم ومهادنتهم. وبسط المسلمون سلطانهم قويا في شرق جنوبي فرنسا. وفي ذلك يقول إيزيدور الباجي: " كان نجاح عنبسة راجعاً إلى الجرأة والبراعة، أكثر منه إلى القوة والكثرة. وكان لينه ورفقه وحسن معاملته للسكان، عاملا في تقوية سلطان الإسلام في جنوبي فرنسا ". ولكن قضى نكد الطالع أن ينكب المسلمون مرة أخرى. فإن عنبسة حين عوده إلى الجنوب، داهمته قبل أن يجتمع إليه جميع جيشه، جموع كبيرة من الفرنج، فأصيب أثناء الموقعة التي نشبت بجراح بالغة توفي على أثرها، وذلك في شعبان سنة ١٠٧ هـ (ديسمبر سنة ٧٢٥) فارتد الجيش إلى الداخل، وعاد الاضطراب إلى الجزيرة مرة أخرى.


(١) يحسن بنا أن نشير هنا إلى أن بعض الكتاب والباحثين يسمون جبال البرنيه خطأً بجبال " البرانس " ذلك لأن جبال البرنيه تسمى في الجغرافية العربية حسبما قدمنا بجبال البرت أو البرتات. أما جبال " البرانس " فهي سلسلة أخرى من الجبال الإسبانية، تقع شرقي ماردة، وجنوبي طليطلة، وهي التي تعرف في الجغرافية الحديثة بجبال المعدن Sierra de Almaden، لوقوعها على مقربة من مدينة " المعدن ". وسيمت في الجغرافية العربية " بالبرانس " نسبة لقبيلة البرانس البربرية، التي كان منزلها في الأندلس على مقربة من هذه الجبال (راجع البيان المغرب ج ٢ ص ١٤٣ و١٦٣ حيث يشير إلى الحملات التي جردت لمقاتلة الثوار في منطقة جبال البرانس).

<<  <  ج: ص:  >  >>