وشد أزرهم بالمال والجند، واستطاع أن يجعل من المغرب ولاية أندلسية. فلما انهار صرح الخلافة الأموية، بعد انهيار صرح الدولة العامرية، وتواثب الزعماء والخوارج الطامحون، إلى انتزاع أشلائها، واقتسام سلطانها، استطاع الزعماء البربر أن يظفروا من ذلك بنصيب وافر. فقامت منهم دولة بني حمود في جنوبي الأندلس، وأنشأت خلافة جديدة، أحياناً في قرطبة، وأحياناً في إشبيلية ومالقة، وقامت خلالها ومن بعدها، عدة دول بربرية محلية، في غرناطة، وفي رندة، وفي مورور وشذونة، وفي قرمونة، وقامت دولة بني ذى النون في طليطلة، وحيناً في شرقي الأندلس، وقامت كذلك دولة بربرية صغيرة في أرض السهلة في شنتمرية الشرق، وإذا نحن اعتبرنا دولة بني الأفطس في بَطَلْيوس من الدول البربرية، وإنها لكذلك على أرجح الآراء، استطعنا أن نقدر المدى العظيم، الذي وصل إليه سلطان القبائل البربرية بالأندلس في عصر الطوائف.
وقد أتينا فيما تقدم على أخبار دولة بني حمود، وأخبار الدويلات البربربة، التي قامت في المنطقة الوسطى والجنوبية، على أنقاض دولة بني حمود، وبينا كيف استطاع المعتضد بن عباد، أن يقضي على هذه الدويلات واحدة بعد الأخرى، وأن يضمها جميعاً إلى مملكة إشبيلية الكبرى. وبقي علينا أن نتناول في هذا الفصل، أخبار دولة بني مناد في غرناطة، وقد كانت بعد دولة بني حمود، أقوى الدول البربرية في الجنوب.
- ١ -
إن بني مناد يرجعون في الأصل إلى قبيلة صَنهاجة البربرية الشهيرة، وهي بطن من بطون قبيلة البرانس الكبرى، وكان منزلهم بأواسط المغرب. فلما غلب العبيديون (الفاطميون) على إفريقية، وقامت دولتهم بها، انحاز بني مناد إليهم، وحاربوا إلى جانبهم الخوارج عليهم. وكان زعيمهم زيري بن مناد من أعظم أمراء البربر، وقد حارب قبائل المغرب المخالفة للعبيديين مع جوهر قائدهم، وقتل في بعض المعارك، فخلفه ولده بُلُكِّين. ولما سار المعز لدين الله في سنة ٣٦٢ هـ إلى مصر، بعد افتتاحها على يد جوهر، اختار بلكين لولاية إفريقية، ثم خلفه على ولايتها ولده المنصور، ثم خلف المنصور ولده باديس. وفي خلال ذلك، كانت المعارك تضطرم في ربوع المغرب باستمرار، بين أمراء صنهاجة هؤلاء،