بيد أن الدولة العامرية لم تعمر طويلا، فكان السقوط، وكان انهيار السلطة المركزية، وبداية عهد الفتنة والفوضى، وقام محمد بن هشام الملقب بالمهدي، باغتصاب الخلافة من هشام المؤيد سنة ٣٩٩ هـ (١٠٠٩ م). ومن ذلك الحين يأخذ البربر بقسط بارز في تلك المعركة المضطرمة المشعبة، التي تدور حول عرش الخلافة. وكان أول باعث لإقحام البربر في تلك المعارك، ما خصهم به المهدي من الاضطهاد وسوء المعاملة، ثم تحريض عامة قرطبة على مطاردتهم، والتف البربر عندئذ حول سليمان بن الحكم خصم المهدي ومنافسه، وتوالت الخطوب والمعارك، وفتك أهل قرطبة خلال ذلك بحباسة بن ماكسن ابن أخى زيري، فازدادوا نقمة واضطراماً، وحاصر البربر قرطبة، وفتكوا بأهلها، ثم دخلوها في مناظر مروعة من العيث والسفك، وانتهى الأمر بجلوس مرشحهم سليمان على عرش الخلافة، وتلقب بالمستعين، وذلك في شوال سنة ٤٠٣ هـ (مايو سنة ١٠١٣ م)، وقبض البربر، وهم الذين عاونوه ونصروه، على سائر السلطات في القصر وفي الحكومة.
وعندئذ رأى سليمان المستعين، أن يعمل على تفريق البربر في الكور والثغور، إرضاء لهم من جهة، وتفريقاً لشملهم وإبعاداً لهم عن قرطبة، من جهة أخرى، فأقطع قبيلة صنهاجة وزعماءها بني زيري بن مناد ولاية إلبيرة (غرناطة)، وأقطع بني برزال وبني يفرن ولاية جيَّان، وبني دمّر وإزداجة منطقة مورور وشذونة، وأقطع آل حمود الأدارسة ثغور المغرب، وذلك كله حسبما فصلناه من قبل في مواضعه، في أخبار سقوط الخلافة الأندلسية (١).
ويقول لنا الأمير عبد الله بن بلكين في مذكراته، إن صنهاجة حينما رأت تفكك الدولة، واستقلال كل أمير ببلده، اعتزموا الرحيل عن الأندلس، ولكن أهل إلبيرة، وقد كانت ولايتهم تتمتع بسعة الرقعة والخصب والنماء، ولم يكن لهم من يدافع عنهم، لجأوا إلى زاوي بن زيري، ودعوه وقومه إلى الإقامة بأرضهم ومشاركتهم في خيراتهم ونعائمهم، والدفاع عنهم، وقبل زيري وقومه دعوتهم، واستبشروا بالنزول في تلك الأرض، وطابت لهم ربوعها، وأجمعوا على الدفاع عنها.
(١) راجع الفصل الأول من الكتاب الرابع من " دولة الإسلام في الأندلس ".