للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طراز وأمنعه، حماية لها من أطماع الطامعين من أمراء الأندلس، ولاسيما بني عباد. وقد كان أهل مالقة بالفعل قد سئموا حكم البربر، وتاقت نفوسهم للتخلص منه، فبعثوا إلى المعتضد بن عباد رسلهم سراً يستحثونه على افتتاح مالقة، واستجاب المعتضد لدعوتهم، وسير إليها حملة بقيادة ولديه جابر والمعتمد، فزحفت على مالقة وطوقتها، وكادت المدينة تسقط في أيديهم، لولا أن اعتصمت حاميتها من البربر والسود بقصبتها المنيعة، ودافعت دفاعاً شديداً، بقيادة قائدها الشجاع مخلوف بن ملول، وهرع باديس في قواته إليها، ونشبت بينه وبين المهاجمين معركة شديدة مزق فيها جند إشبيلية، وقتل وأسر منهم عدد جم، وأسرع جابر والمعتمد ابنا عباد بالفرار في فل جندهما إلى رندة (١).

وكان ذلك في سنة ٤٥٨ هـ (١٠٦٦ م). وبعث محمد بن عباد (المعتمد) إلى والده المعتضد من رندة، قصيدته الشهيرة، يستعطفه فيها ويعزيه في مصابه وهذا مطلعها:

سكن فؤادك لا تذهب بك الفكر ... ماذا يعيد عليك البثُّ والحذر

وازجر جفونك لا ترض البكاء لها ... واصبر فقد كنت عند الخطب تصبر

فإن يكن قَدَرٌ قد عاق عن وطر ... فلا مرد لما يأتي به القدر

وإن تكن خيبة في الدهر واحدة ... فكم غزوت ومن أشياعك الظفر (٢)

وكان من مظاهر هذه المعركة، التي اضطرمت بين باديس وبني عباد، ما حدث في نفس هذا العام، من التجاء بني بزنيان وأميرهم محمد بن خزرون أصحاب أركش، حينما أرهقهم ابن عباد بغاراته، إلى باديس ليتسلم هو قاعدة أركش، ويعطيهم بدلا منها، مكاناً ينزلون به في أراضي غرناطة، وقد استجاب باديس لرغبتهم وتسلم منهم أركش، وخرجوا عنها بأهلهم وأموالهم ومتاعهم، فدهمتهم قوات ابن عباد في الطريق ومزقتهم، وانتزعت حصن أركش من يد قائد باديس، وسيطر ابن عباد بذلك على سائر منطقة شذونة، وكانت من قبل تحت سيطرة البربر (٣).


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٧٤ و ٢٧٥. وراجع كتاب التبيان ص ٤٣.
(٢) وهي طويلة. وقد أوردها ابن الأبار في الحلة السيراء (القاهرة) ج ٢ ص ٥٦ - ٥٨.
(٣) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٧٢ و ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>