المهاجم. وهذا ما رأينا ينطبق بصورة عملية في المعارك التي لبثت طوال أيام الطوائف، تضطرم في هذه المنطقة بين البربر وبين خصومهم الألداء بني عباد، وهم أقوى الممالك الأندلسية المناهضة لهم في معظم النواحي.
وقد قامت هذه الممالك البربرية الصغيرة إلى جانب شقيقتها الكبرى، دولة بني مناد في غرناطة، وفي مثل الظروف التي قامت فيها، وكانت مملكة غرناطة تتولى حمايتها والدفاع عنها كلما دهمها خطر بني عباد، وكانت هي تلتف في نفس الوقت حول غرناطة، كلما دعت إلى ذلك ضرورة سياسية أو عسكرية.
ولم تكن هذه الإمارات البربرية تملك مقومات الدولة الراسخة المستقرة، ولكنها كانت في الواقع أقرب إلى سيادة العصبة القبلية، أو رياسة الأسرة ذات البأس والجاه، ولم يكن في حكومات أو جيوش منظمة بالمدى الصحيح، وإنما كانت تستند في سلطانها إلى حشود القبيلة أو الأسرة المسيطرة، وكانت تجري في الحكم على قاعدة الإستبداد المطلق، وأصول العرف البدوي الساذج، ومن ثم فإنها لم تكن محبوبة من رعاياها الأندلسيين. الذين عرفوا منذ بعيد مزايا الحكم المنظم، ورفاهة العيش المتحضر.
وكانت ثمة من هذه الإمارات - غير مملكة غرناطة - أربع تقوم من حولها وهي إمارة قرمونة، وإمارة رندة، وإمارة مورور، وإمارة شذونة وأركش.
١ - دولة بني برزال في قرمونة
وكان أهم هذه الإمارات، إمارة قرمونة الواقعة في منحنى الوادي الكبير، بين إمارة قرطبة شرقاً، ومملكة إشبيلية غرباً، وقاعدتها مدينة قرمونة الحصينة الواقعة شمال شرقي إشبيلية. وكانت تشمل غير قرمونة، مدينة إستجة الواقعة في شرقها. ومدينة المدَوّر الواقعة غربي قرطبة على نهر الوادي الكبير.
وكانت مدينة قرمونة منذ أيام هشام المؤيد، وقبل انهيار الدولة العامرية، ييد حاكمها الحاجب أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن برزال المعروف بأبى عبد الله البرزالي، وكان بنو برزال هؤلاء ينتمون إلى بطن من بطون زناتة من بني يفرن، وكانوا يقطنون بالمغرب بأرض المسيلة والزاب الأسفل. ونحن نعرف أن زناتة كانت أيام الدولة الأموية من القبائل المشايعة لها بالمغرب ضد خصومها الشيعة العبيديين أو الفاطميين، وكان من خصوم الشيعة في نفس الوقت جعفر ويحيى