للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما انهارت الدولة العامرية، واضطرمت الفتنة في نهاية المائة الرابعة، وشعر الفتيان العامريون، أنه لا أمل لهم في النهوض والسلطان، خلال الفوضى الشاملة، التي غمرت قرطبة عاصمة الخلافة القديمة، سار معظمهم إلى شرقي الأندلس. وكان من هؤلاء كبيرهم خيران العامري، فسار أولا إلى أوريولة، وهي أمنع قواعد ولاية تدمير، وبسط عليها سلطانه، ثم سار منها إلى مرسية واستولى عليها، وذلك في سنة ٤٠٣ هـ (١٠١٢ م). واستخلف عليها نائبه، وزميله زهيراً العامري، ثم سار منها في قواته إلى ألمرية، وانتزعها من صاحبها أفلح الصقلبي، على نحو ما ذكرنا في موضعه، وغدت ألمرية من ذلك الحين قاعدته الرئيسية، تتبعها مرسية وأوريولة من شرقي الأندلس.

وقد ذكرنا فيما تقدم، كيف أجمع الفتيان العامريون، الذين تغلبوا على شرقي الأندلس، على أن يتخذوا لهم زعيماً، من بيت مولاهم العظيم المنصور ابن أبي عامر، وكيف وقع اختيارهم في ذلك على عبد العزيز بن عبد الرحمن بن المنصور، فتمت بيعته في شاطبة، ثم لحق بعد ذلك ببلنسية، وبسط سلطانه عليها بتأييد الفتيان، وتسمى بالمنصور، وذلك في سنة ٤١١ هـ (١٠٢١ م).

ثم أشرنا إلى موقف الخصومة، الذي وقفه خيران بعد ذلك من زعامة عبد العزيز المنصور، وإلى ما عمد إليه من ترشيح ابن عمه محمد بن عبد الملك المظفر بن المنصور للزعامة مكانه، واستقدامه إلى شرقي الأندلس، ونزوله له عن رياسة مرسية وأوريولة. وتلقب محمد بالمعتصم، بيد أن أمد رياسته لم يطل، إذ تنكر له خيران، كما تنكر من قبل لابن عمه عبد العزيز المنصور، ثم سار إليه في قواته، وضيق عليه، حتى اضطر إلى مغادرة مرسية، ولجأ إلى أوريولة، فشدد خيران في مطاردته حتى فر منها، وسار إلى دانية، فعاش حيناً في كنف أميرها مجاهد العامري: ثم غادرها إلى غربي الأندلس، وهنالك عاش بقية حياته، وتوفي في سنة ٤٢١ هـ (١٠٣٠ م) (١).

وعاد زهير العامري نائباً لخيران على مرسية وأوريولة: واستقر خيران بألمرية أميراً عليها، حتى توفي سنة ٤١٩ هـ (١٠٢٨ م).

وعندئذ خلفه في حكم مملكة ألمرية، وفي حكم مرسية وأوريولة بالأصالة،


(١) أعمال الأعلام ص ١٩٣ و ١٩٤، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>