للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بر اليمين ولم يعرض نفسه ... ونفوسكم لمصارع الفجار

لابد من مسح الجبين فإنما ... لطمته عذراً غير ذات سوار

ثم يقول في ختامها:

وأنا النصيح فإن قبلتم فاتركوا ... آثارها خبراً من الأخبار

قوموا إلى الدار الخبيثة فانهبوا ... تلك الذخائر من خبايا الدار

وتعوضوا من صفرة حبشية ... بأغر وضاح الجبين نضار (١)

ومضى ابن عمار في خطته من تحدي ابن عباد، والاستئثار بشئون مرسية، واستعمل عبيده على الحصون وأقطعهم الضياع، وانهمك في الشراب واللذات، وأعرض عن كل نصح (٢). وكان ابن رشيق، وهو قائد الجند وفاتح المدينة الحقيقي، يرقب الموقف، ويتحين الفرص. وكان أبو بكر بن عبد العزيز، انتقاماً من ابن عمار، يحرضه على الوثوب به، وانتزاع حكم المدينة منه، وفضلا عن ذلك فقد استطاع أبو بكر أن يحصل بواسطة يهودي من عملائه في مرسية، على النسخة الأصلية من قصيدة هجاء مقذع، وضعها ابن عمار طعناً في ابن عباد وزوجه اعتماد الرُّميكية، وأن يرسلها إلى ابن عباد في إشبيلية. وقد سبق أن أشرنا إلى هذه القصيدة في أخبار مملكة إشبيلية، وأوردنا بعض محتوياتها اللاذعة.

وهكذا كان الجو يظلم حول ابن عمار من كل ناحية، وزاد الموقف خطورة، حينما بدأ الجند بتحريض ابن رشيق في المطالبة بأجورهم المتأخرة، واشتطوا في ذلك، وابن عمار عاجز عن تهدئتهم. فعندئذ خشي ابن عمار البادرة على نفسه، وخرج من مرسية، بحجة تفقد الحصون الخارجية، فانتهز ابن رشيق الفرصة لفوره، واستولى على القصر وضبط المدينة وأغلق أبوابها. ولم ير ابن عمار أمامه سبيلا سوى الفرار.

وهكذا لقي ابن عمار جزاء غدره، من غادر مثله. ويصف لنا ابن بسام هذه الضربة الغادرة من ابن رشيق بقوله: " فقيض له (أي ابن عمار) من عبد الرحمن بن رشيق عدواً في ثياب صديق، من رجل قدرة خنتر، وجزيل خديعة ومكر، فلم يزل يطلع عليه من الثنايا والشعاب، حتى أخرجه من


(١) نشرت القصيدة بأكملها في قلائد العقيان ص ٦١ و ٦٢.
(٢) ابن الأبار عن ابن بسام في الحلة السيراء ج ٢ ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>