للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوفي مجاهد العامري سنة ٤٣٦ هـ (١٠٤٤ م) بعد أن حكم مملكة دانية والجزائر زهاء ثلاثين عاماً، ساد فيها النظام والأمن والرخاء.

وقد أشادت التواريخ المعاصرة واللاحقة، بخلال مجاهد العامري، وعبقريته الحربية والسياسية، ومآثره العلمية والأدبية، وكان أكبرهم تنويهاً بشأنه، معاصره المؤرخ الكبير أبو مروان ابن حيان، وإليك نبذة مما قاله في ذلك، نقلها إلينا ابن بسام في الذخيرة، قال: " كان مجاهد فتى أمراء دهره، وأديب ملوك عصره، لمشاركته في علم اللسان، ونفوذه في علم القرآن، عنى بذلك من صباه، وابتداء حاله إلى حين اكتهاله، ولم يشغله عن التزيد، عظيم ما مر به في الحروب براً وبحراً، حتى صار في المعرفة نسيج وحده، وجمع من دفاتر العلوم خزائن جمة، وكانت دولته أكثر الدول خاصة، وأسراها صحابة، لانتحالهم الفهم والعلم، فأمه جلة العلماء وأنسوا بمكانه، وخيموا في ظل سلطانه، واجتمع عنده من طبقات علماء أهل قرطبة وغيرها، جملة وافرة، وجلة ظاهرة، إلا أنه كان مع أدبه من أزهد الناس في الشعراء، وأحرمهم لأهله، وأنكرهم على منشده فأقصر الشعراء عن مدحه، وخلا الشعر من ذكره " (١).

وذكر لنا في نبذة أخرى نقلها إلينا ابن الخطيب، أنه كان بين أعلام العصر الذين يلتفون حول مجاهد، أبو عمرو بن سعيد الداني صاحب القراءات، وأبو عمر ابن عبد البر، وابن معمر اللغوي، وابن سيده صاحب كتاب المحكم وغيرهم (٢).

وكان منهم أيضاً الفقيه الكاتب أبو العباس أحمد بن رشيق، وكان يحتل في دولة مجاهد أرفع منزلة، وقد ولاه ميورقة فحكمها بالسياسة والعدل، واشتغل هناك بالحديث والفقه (٣)، وكان بعض هؤلاء العلماء منقطعاً إليه، متفرغاً للعمل في كنفه، مثل ابن سيده الذي ألف معظم كتبه تحت رعايته، ولازمه حتى توفي، ثم غادر دانية بعد وفاته خوفاً من سطوة ولده علي (٤). " فشاع العلم في حضرته


(١) الذخيرة، القسم الثالث، المخطوط لوحة ٥ أ. ونقلها صاحب البيان المغرب ج ٣ ص ١٥٦.
(٢) توفي أبو عمرو الداني سنة ٤٤٤ هـ، وابن عبد البر سنة ٤٦٣ هـ، وابن سيده سنة ٤٥٨ هـ.
(٣) هذا قول ابن الأبار (الحلة السيراء ج ٢ ص ١٢٨) ولا نعرف متى كانت هذه التولية.
ولعلها كانت في أوائل عهد مجاهد. وقد توفي ابن رشيق بعد سنة ٤٤٠ هـ.
(٤) المقري عن المطمح في نفح الطيب ج ٢ ص ٣٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>