للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتفقا على أن يكون ذلك يوم جمعة عقب خروج علي من الصلاة. وكان من عادة علي، عقب الخروج من الصلاة، أن يتنزه قليلا على شاطىء البحر، وكان إذا ركب، كان أخوه حسن وراءه في الموكب، فلما انتهى علي في ذلك اليوم من نزهته، وسار عائداً إلى قصره، انتهز حسن والغلام العبادي فرصة مروره في زقاق ضيق، وانقض حسن عليه بخنجره، فأصابه في يده، ثم حاول أن يثني الطعنة فلم يوفق ورده علي, وعندئذ حاول الغلام العبادي أن يطعن علياً بالرمح الذي يحمله، فنشب الرمح في الحائط لضيق الزقاق، وانقض رجال عليّ على الغلام العبادي فقتلوه، وفر حسن ناجياً بنفسه، وسار مسرعاً إلى بلنسية، حيث لجأ إلى صهره، وزوج أخته الآخر. عبد الملك بن عبد العزيز، وهناك عاش في كنف أخته مغموراً حتى توفي (١).

وهكذا فشلت هذه المحاولة الغادرة في اغتيال علي بن مجاهد، وبرىء علي من جراحه واستقر في ملكه، واتفق الجميع على طاعته وتأييده. وحذا علي حذو أبيه في اتباع سياسة الحيدة والمودة مع جيرانه، وحاول مثل أبيه أن يوثق علائقه مع ملوك عصره بالمصاهرة، وكانت له بنات حسان يصفهن صاحب الذخيرة بأنهن كن " أحسن من الشموس، وأفتن من الطواويس " ويقول لنا إن ملوك الطوائف تنافسوا في الزواج منهن، وجعلهن والدهن علي عيوناً على أزواجهن، معتمداً على ما تحققه له المصاهرة وصلة الرحم، من الرعاية والحماية (٢)، فزوج إحداهن للمعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وأخرى إلى المعتصم بن صمادح صاحب ألمرية، وتزوج هو من ابنة أحمد بن هود المقتدر بالله، بيد أنه كان من غرائب القدر أن هذه السياسة ذاتها، وهي سياسة المصاهرة، كانت أيضاً هي السبب في سقوط علي وضياع ملكه.

ولم نعثر على أية تفاصيل شافية عن الأحداث التي مرت بمملكة دانية أيام علي ابن مجاهد، ولا عن أعمال علي ذاته، وكل ما نستخلصه من الإشارات القليلة المتعلقة بحكمه، أنه جرى على نفس سياسة أبيه في مخاصمة بني طاهر أصحاب مرسية، وأنه كان متحالفاً مع أصحاب بلنسية ومربيطر وشنتمرية الشرق. وأما عن


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ١٥٧ و ١٥٨.
(٢) الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>