بقسط بارز، ثم غادرت قرطبة، حينما غلبت هنالك على أمرها، وألفت ملاذها في ذلك الركن النائي من الأندلس، بعيداً عن موجة الطغيان البربرية التي اجتاحت قرطبة، وجنوبي الأندلس.
وكانت بلنسية، وهي أعظم القواعد الشرقية، مركز التجاذب في معركة السلطان التي اضطرم لظاها في تلك المنطقة، وكانت هذه المعركة في البداية متواضعة محدودة المدى، ثم لم تلبث أن انسابت إلى شرقي الأندلس كله، من طرّكونة شمالا حتى مرسية ولورقة جنوباً، بيد أنها فيما عدا بعض اتصالات محدودة بأحداث المنطقة الغربية، حافظت على سيرها المستقل، وطابعها الخاص.
وذلك أنه لما اضطرت الفتنة، وانهارت الدولة العامرية في أوائل سنة ٣٩٩ هـ (١٠٠٩ م)، واستطاع محمد بن هشام بن عبد الجبار المهدي أن ينتزع الخلافة لنفسه من هشام المؤيد، كان على بلنسية - وفقاً لبعض الروايات - فتى من الفتيان العامريين هو مجاهد العامري، فثار به عبدان من العبيد العامريين أيضاً هما مبارك ومظفر، واستطاعا أن ينتزعا منه السلطة، فغادر مجاهد بلنسية إلى دانية، وتربع العبدان - ويسميهما ابن الخطيب بالأميرين - مكانه في حكم المدينة. ويقدم إلينا ابن حيان رواية أخرى عن تغلب مبارك ومظفر على بلنسية، خلاصتها أنهما كانا يتوليان وكالة الساقية بالمدينة، أيام ولاية عبد الرحمن ابن يسار عليها، ثم ضرب الدهر ضرباته، وشاء القدر أن ينتزع الإمارة مبارك.
ويصف ابن حيان الحادث بأنه " من غرائب الليالي والأيام، اللاعبة بالأنام ".
ثم يقول لنا إن العبدين مبارك ومظفر توليا هما حكم بلنسية، وامتزجا في ذلك امتزاج الإخوة وعشاق الأحبة، ونزلا في قصر الإمارة مختلطين " تجمعهما في أكثر الأوقات مائدة واحدة، ولا يتميز أحدهما عن الآخر في عظيم ما يستعملانه من كسوة وحلية وفرش ومركوب وآلة، لا ينفردان إلا في الحرم خاصة، على أن جماعة حرمهما كن مختلطات في منازل القصر، ومستويات في سائر الأمر ".
وكان لمبارك مع ذلك التقدم في المخاطبة ورسوم الإمارة لصرامته وشدته، ولدماثة مظفر وانصياعه لزميله في سائر الأمور.
وذكر في بعض الروايات أن مظفراً ومباركاً كانا يقتسمان فيما بينهما حكم الولاية، فكان مظفر يختص بحكم بلنسية، ومبارك بحكم شاطبة (١). وذكر لنا