ولما توفي مبارك، خلفه في حكم بلنسية الفتى لبيب العامري صاحب طرطوشة ثم شاركه في حكمها مجاهد العامري، وكانت الخطبة تصدر باسميهما معاً، ثم وقع الخلاف بينهما، ففر لبيب إلى طرطوشة واستأنف رياسته بها، وانفرد مجاهد بحكم بلنسية مع حكمه لدانية في نفس الوقت. بيد أنه لم يمض سوى قليل، حتى خرج عليه الفتيان العامريون، وعقدوا البيعة لسيدهم وحفيد مولاهم، عبد العزيز ابن عبد الرحمن المنصور، وذلك في سنة ٤١١ هـ (١٠٢١ م).
وقد سبق أن أشرنا إلى تعلق الفتيان الصقالبة بتراث الدولة العامرية، وولائهم لإمامة هشام المؤيد بالله، وإلى الدور الذي قام به زعماؤهم مثل واضح وخيران، في تطورات الخلافة القرطبية، وقد كانت بيعتهم لعبد العزيز المنصور أثراً من آثار هذا الولاء الراسخ لبني عامر. وكان عبد العزيز وقت مبايعته، فتى حدثاً في نحو الخامسة عشرة من عمره، إذ كان مولده سنة ٣٩٧ هـ (١)، وكان حينما نزلت النكبة بأسرته قد حمل سراً إلى سرقسطة، وهنالك عاش في كنف صاحبها منذر بن يحيى التجيبي، فلما استدعاه الفتيان العامريون لبيعته لحق بشاطبة، وهنالك تمت بيعته أميراً لبلنسية، وزعيماً لبني عامر.
على أن هذه البيعة لم تلبث طويلا دون منازع. ذلك أن خيران العامري، وكبير الفتيان العامريين، وصاحب ألمرية ومرسية وأوريولة، لم يكن على وفاق مع عبد العزيز. والظاهر أنه خشي على سلطانه في مرسية، وأوريولة، من هذه الزعامة الجديدة، أو أنه لم يحصل على ما كان يرجوه في ظلها من نفوذ. ومن ثم ْفإنه قدم للزعامة في شرقي الأندلس، مرشحاً جديداً من بني عامر، هو محمد ابن عبد الملك المظفر بن المنصور، وهو ابن عم عبد العزيز، وكان يومئذ فتى في نحو العشرين من عمره، وكان قد فر من قرطبة في عهد القاسم بن حمود، ومعه أموال جليلة كانت لأمه، ولجأ إلى حماية خيران، فلما وقع الخلاف بين خيران وعبد العزيز، نادى خيران بزعامة محمد، ونزل له عن حكم مرسية وأوريولة، ولقبه بالمؤتمن ثم بالمعتصم. بيد أنه لم يمض طويل على ذلك حتى اضطربت الأمور في تلك المنطقة، فثارت شاطبة ضد عبد العزيز، واضطر أن يغادرها إلى بلنسية، وتنكر خيران في الوقت نفسه لمرشحه الجديد محمد المعتصم، وغادره