إلى الاستقلال بما في يده من الأراضي، أسوة بما فعله جاره اسماعيل بن ذى النون، فأعلن استقلاله عن حكومة قرطبة، واستبد بحكم شنتمرية وأعمالها، وذلك في سنة ٤٠٣ هـ (١٠١٢ م)، وتلقب بالحاجب عز الدولة. واعترف في نفس الوقت بطاعة الخليفة سليمان المستعين الاسمية، وقنع منه سليمان بذلك، وأقره على ما بيده من الأعمال، وحاول الحاجب منذر بن يحيى التجيبي صاحب الثغر الأعلى، أن يخضعه لصولته، أسوة بما تم له نحو بعض أصاغر أمراء الثغر، فأبى هذيل ووقف في سبيل أطماعه. واضطرمت بينهما الخصومة، وامتنع هذيل بعاصمته المنيعة، وتحالف مع الموالي العامريين أعداء منذر، واعترف معهم بدعوة هشام المخلوع، وقطع دعوة سليمان واستطاع بيقظته، وموقع بلده البعيد عن متناول العدوان، أن يجتنب عوامل الشر، وأن يسير في حكم إمارته آمناً مطمئناً.
وكان له في خصب أراضيه، وانتظام عمارتها، موارد طيبة للجباية، فكثرت أمواله، وغدا ينافس في ذلك جاره إسماعيل بن ذى النون، وكان مثله في طغيانه وصرامته، وشدة بخله، وكان يتبع سياسة الحيدة المطلقة، ولا يتدخل في أي نزاع أو حلف، مما ينساق إليه زملاؤه أمراء الطوائف، وقد استطاع بهذه الوسيلة أن يحافظ على سلام مملكته، واستطاع بالأخص أن ينجو من ضغط قشتالة ومطالبها في اقتضاء الجزية.
وكما أن الرواية تشيد بطغيان هذيل، وجبروته، وجهله وفظاظته، حتى زعموا أنه قتل والدته بيده، فهي كذلك تقدمه إلينا في صورة أخرى أكثر بهجة وإشراقاً، فتقول لنا إنه كان فتى بارع الجمال، حسن الخلق، جميل العشرة، ظاهر المروءة، لم ير في الأمراء أبهى منه منظراً، ثم تشيد بطلاقة لسانه، وحسن ْتوصله بالكلام إلى حاجته دون معرفة. وقد اشتهر هذيل بالأخص بحياته المترفة الناعمة، ورفيع ذوقه في الفنون، وشغفه باقتناء أجمل وأروع الجواري والقينات في عصره، حتى لقد ذكروا أنه اشترى جارية الطيب أبى عبد الله الكناني بعد أن أحجمت عنها الملوك لغلاء ثمنها، ودفع فيها ثلاثة آلاف دينار، وكانت وحيدة عصرها. وقد وصف لنا ابن حيان في تاريخه تلك القينة الشهيرة فقال: " لم ير في زمانها، أخف منها روحاً، ولا أسرع حركة، ولا ألين عطافاً،