المجاورة. ونحن نعرف أن السيد سار إلى قشتالة ليسوي شئونه مع الملك ألفونسو السادس، وليحصل منه على حق فتح بلنسية، وأنه خرج من قشتالة في ربيع سنة ١٠٨٩ م (٤٨٢ هـ)، عائداً إلى شرقي الأندلس، ومعه سبعة آلاف مقاتل واخترق في طريقه أراضي السهلة (شنتمرية)، وعسكر في " كالاموشا " في شمالها الشرقي، ولبث حيناً في تلك الوديان النضرة، يجمع محاصيلها، وأقواتها.
ولما شعر أبو مروان بما يهدد مملكته من الخراب والإمحال، قصد بنفسه إلى معسكر السيد، واتفق معه على أن يتركه في سلام، على أن يؤدي الجزية للملك ألفونسو كما كان الشأن قبل موقعة الزلاّقة، وأن يدفع في الحال إلى السيد بصفته نائباً عن الملك مبلغ عشرة آلاف دينار. وعندئذ رفع السيد معسكره، وغادر أراضي السهلة إلى بلنسية (١).
ولما اشتدت وطأة السيد على بلنسية والأنحاء المجاورة لها، شعر القائد أبو عيسى بن لبّون صاحب مربيطر (ساجنتو)، أنه لا يستطيع الصمود لهذا الإرهاق، وأنف من مفاوضة السيد، وآثر أن ينتمي إلى حماية أبي مروان عبد الملك، وأن يسلمه حصنه، فقبل عبد الملك هذا العرض، وتعهد لابن لبون، بحمايته ورعايته وأن يجري عليه رزقاً كافياً، وتسلم منه حصن مربيطر في نوفمبر سنة ١٠٩٢ م (أواخر ٤٨٦ هـ)، ثم سار إلى السيد، وفاوضه في عقد المودة والإبقاء على الحصن، على أن تكون سائر الحصون الواقعة في أراضيه مفتوحة للبيع والشراء، وأن تقدم إلى جنود السيد ما يحتاجونه من المؤن، وسار ابن لبون بعد ذلك في أهله وأمواله صحبة عبد الملك إلى عاصمته ونزل في كنفه. بيد أنه لم يمض سوى قليل حتى تنكر له عبد الملك، وأخذ في مضايقته والتقتير عليه، وقاسى ابن لبون من ذلك حتى كره البقاء، ومما نظمه يومئذ في محنته:
نفضت كفي عن الدنيا وقلت لها ... إليك عني فما في الحق أغتبن
من كسر بيتي لي روض ومن كتبي ... جليس صدق على الأسرار موتمن
أدري به ما جرى في الدهر من خبر ... فعنده الحق مسطور ومختزن
وما مصابي سوى موتي ويدفنني ... قوم وما لهم علم بمن دفنوا
ولما استولى عبد الملك على مربيطر، ورأى اضطراب الأحوال في بلنسية،