والتي لعبت في عصر الطوائف، ولاسيما في حوادث الثغر الأعلى وشرقي الأندلس، أعظم دور.
٢ - عهد بني هود
جلس سليمان بن محمد بن هود على عرش سرقسطة في غرة المحرم سنة ٤٣١ هـ وحكم الثغر الأعلى ما عدا طرطوشة، التي كانت بيد بعض الفتيان العامريين، واتخذ من الألقاب السلطانية لقب المستعين بالله، وظهر منذ البداية بقوة عزمه وشدة بأسه، فاشتهر أمره، وتوطد ملكه بسرعة، واستمر في حكم مملكته الجديدة ثمانية أعوام. وكان أهم ما وقع فيها حروبه مع المأمون بن ذى النون.
وكانت المنطقة الواقعة بين المملكتين، من ناحية الجنوب الغربي من مملكة سرقسطة وناحية الشمال الشرقي من مملكة طليطلة، موضع الاحتكاك بين الفريقين. وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن بني ذى النون كانوا خؤولة للمنذر بن يحيى آخر أمراء سرقسطة من بني تجيب، وهو الذي احتل سليمان بن هود عرشه، فكان ذلك عاملا آخر في اشتداد هذه الخصومة. ووقعت المعارك بين الطرفين أولا حول مدينة وادي الحجارة، وقد كانت من أعمال طليطلة، فبعث إليها سليمان بن هود ولده أحمد في جيش قوي فنازلها واحتلها، وذلك في سنة ٤٣٦ هـ (١٠٤٤ م)، وهرع إليها المأمون بن ذى النون في قواته، ونشبت بين الجيشين معارك هزم فيها ابن ذى النون، فارتد في قواته إلى طلبيرة، وابن هود يطارده، ويشدد الضغط عليه، ولم ينج المأمون من هذا المأزق إلا حينما أمر سليمان ولده أحمد بتركه وشأنه.
وقد فصلنا فيما تقدم من أخبار مملكة طليطلة حوادث هذا النزاع، وبينا كيف لجأ المأمون على أثر هزيمته إلى فرناندو الأول ملك قشتالة، فاستغاث به واعترف بطاعته، وكيف أمده فرناندو بجنده، فعاثت في أراضي مملكة سرقسطة وخربتها، وعندئذ التجأ ابن هود بدوره إلى الاستعانة بملك قشتالة، وبذل له أموالا وتحفاً جليلة، فبعث فرناندو جنوده فعاثت في أراضي طليطلة حتى وادي الحجارة وقلعة النهر (قلعة هنارس). ورد المأمون على ذلك بأن التجأ إلى غرسية ملك نافار واستماله بالأموال الجليلة، فأغار على أراضي مملكة سرقسطة المجاورة له ورد ملك قشتالة على ذلك بالإغارة على أراضي طليطلة مرة أخرى. وهكذا تفاقمت هذه الحرب الأهلية المدمرة بين ابن هود والمأمون " الأميرين المشئومين