قواته يطلب العون والنجدة من خصمه القديم أعني كارل مارتل (١). وكان كارل قد حشد جيشا ضخماً من الفرنج ومختلف العشائر الجرمانية المتوحشة، والعصابات المرتزقة فيما وراء الرين، يمتزج فيه المقاتلة من أمم الشمال كلها، وجله جند غير نظاميين، نصف عراة يتشحون بجلود الذئاب، وتنسدل شعورهم الجعدة، فوق أكتافهم العارية. وسار زعيم الفرنجة في هذا الجيش الجرار نحو الجنوب لملاقاة العرب في حمى الهضاب والربى، حتى يفاجىء العدو في مراكزه قبل أن يستكمل الأهبة لرده. وكان الجيش الإسلامي قد اجتاح عندئذ جميع أراضي أكوتين، التي تقابل اليوم من مقاطعات فرنسا الحديثة جويان وبريجور وسانتونج وبواتو، وأشرف بعد سيره المظفر على مروج نهر اللوار الجنوبية، حيثما يلتقي بثلاثة من فروعه هي " الكريز " و" الفيين " و" الكلين ".
ومن الصعب أن نعين بالتحقيق، مكان ذلك اللقاء الحاسم في تاريخ الشرق والغرب، والإسلام والنصرانية. ولكن المتفق عليه أنه السهل الواقع بين مدينتي بواتييه وتور، حول نهري كلين وفيين فرعي اللوار، على مقربة من مدينة تور. والرواية الإسلامية مقلة موجزة في الكلام عن تلك الموقعة العظيمة، وليس فيما لدينا من المصادر العربية عنها أي تفصيل شامل، وإنما وردت تفاصيل للرواية الإسلامية عن الموقعة، نقلها إلينا المؤرخ الإسباني كوندي سنعود إليها بعد. وتفيض الرواية الفرنجية والكنسية بالعكس في حوادث الموقعة، وتقدم إلينا عنها تفاصيل شائقة، ولكن يحفها الريب وتنقصها الدقة التاريخية. وقد رأينا أن نحاول وصف الموقعة أولا مما لدينا من أقوال الروايتين، ثم نعود بعد ذلك إلى ذكر كل منهما. انتهي الجيش الإسلامي في زحفه إلى السهل الممتد بن مدينتي بواتييه وتور كما قدمنا، واستولى المسلمون على بواتييه، ونهبوها وأحرقوا كنيستها الشهيرة. ثم هجموا على مدينة تور الواقعة على ضفة اللوار اليسرى، واستولو عليها وخربوا كنيستها أيضا. وفي ذلك الحين كان جيش الفرنج قد انتهي إلى اللوار، دون أن يشعر المسلمون بمقدمه بادئ بدء، وأخطأت الطلائع الإسلامية تقدير عدده وعدته. فلما أراد عبد الرحمن أن يقتحم اللوار، لملاقاة العدو على ضفته اليمنى فاجأه كارل مارتل بجموعه الجرارة. وألفى عبد الرحمن جيش الفرنج يفوقه في