النصارى، يبتزون منها الأموال طوراً باسم الجزية، وطوراً يقتطعون بعض أطرافها. وفي خلال ذلك، يعمل بنو هود على الاستعانة من آن لآخر بالجند النصارى، وفقاً لمختلف الظروف والأحوال. وكان فرناندو الأول ملك قشتالة في سنة ١٠٦٠ م (٤٥٢ هـ) قد زحف على حدود مملكة سرقسطة الجنوبية الغربية، واقتطع منها حصن غرماج، وبعض حصون أخرى، فاضطر المقتدر أن يذعن لدفع الجزية. ولما توفي فرناندو في سنة ١٠٦٥، وخلفه ولده سانشو في ملك قشتالة، وفي حقوق الجزية على سرقسطة، حاول أن يتدخل في شئون سرقسطة وبعث إليها بقواته في سنة ١٠٦٧ فحاصرتها، اقتضاء للجزية المطلوبة، وكان يقود الجيش القشتالي يومئذ الفارس ردريجو دياث أو السيد إلكمبيادور، الذي احتل فيما بعد مكانة بارزة في حوادث شرقي الأندلس، فاضطر المقتدر أن يبعث إليه مقادير كبيرة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، والأقمشة الفاخرة، أداء للجزية المطلوبة، وأن يبعث برهائنه في الوقت نفسه، وبذا رفع الحصار عن سرقسطة (١).
وكان المقتدر في الوقت الذي تصفو فيه علائقه مع جيرانه النصارى، يستمد العون منهم في مشاريعه العسكرية، وقد يستمد عون أحدهما على الآخر، كما حدث في سنة ١٠٦٣ م حينما غزا راميرو الأول ملك أراجون أراضي مملكة سرقسطة، فاستغاث المقتدر بفرناندو ملك قشتالة، فبعث إليه ولده سانشو في بعض قواته، ووقعت بين الفريقين تحت أسوار جرادوس موقعة هزم فيها راميرو وقتل، وكان ردريجو دياث - السيد فيما بعد - يومئذ من ضباط الجيش القشتالي.
ولما خلص عرش قشتالة لألفونسو السادس بعد مقتل أخيه سانشو، عاد يطالب سرقسطة بالجزية التي كانت لأخيه، وكان يطالب بها في نفس الوقت سانشو راميرز ملك أراجون ونافار، بعد أن ورث عرش نافار، وكان المقتدر يؤدى الجزية من قبل إلى سانشو ملك نافار. وكان يستعين في محاربة أخيه يوسف المظفر صاحب لاردة بجنود من البشكنس (النافاريين) والقطلان، واستمرت بينهما المعارك حتى انتهت أخيراً بهزيمة يوسف وأسره.
وقد وقفنا على نص رسالة مخطوطة، كتب بها المقتدر إلى صديقه المعتمد
(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٢٩، وكذلك R.M.Pidal: ibid ; p. ١٥٩ & ١٦٠