للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخيرا أعلنوا إصرارهم على ما هم فيه: {وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} ١.

فرد عليهم وعرفهم بأن الله تعالى مطلع على كل أعمالهم وأحوالهم، وهو سبحانه يفعل بهم ما يشاء، ويعاقبهم كما يريد، ومتى يريد، ثم سألهم سؤالا عساهم يفكرون في المصير الذي سيحل بهم، قال لهم: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ٢.

وهذا كلام يقصد به عليه السلام أن يثير في نفوسهم النظر، والتدبر؛ ليتفكروا في الدعوة ومصيرهم.

لكن الضلال صدهم عن الحق، وأبعدهم عن الصواب, وأخذوا يدبرون لقتل صالح ومن معه، على أن يتم القتل سرا، لا يكشفه أحد.

ووضع خطة القتل أولو الرأي منهم، وكانوا تسعة, وهم الرهط المذكورون في قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} ٢، والتسعة هم تسعة رجال، وقيل: بل هم تسع جماعات.

أقسم هؤلاء التسعة على تنفيذ اتباعهم الخطة ليلا؛ لمباغتة صالح وقتله، ومباغتة المؤمنين معه وقتلهم كذلك، على ألا يخبروا بذلك أحدا، فإن سُئلوا عن القاتل يجيبون: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} ٣، وبذلك يضيع دم القتلى هدرا، ويدعون الصدق لأنهم دبروا، ولم يشاهدوا، مع أن المدبر للجرم إثمه مضاعف؛ لأنه مدبر للجريمة، وراضٍ بها، ونفى علمهم بالقتل كذب في حد ذاته؛ لأن الشهادة تنبني على


١ سورة النمل آية: ٤٦.
٢ سورة النمل آية: ٤٨.
٣ سورة النمل آية: ٤٩.

<<  <   >  >>