للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم اليقيني، والمدبرون يتابعون كيدهم، ويعلمون بنتيجته على وجه اليقين, فقولهم: {مَا شَهِدْنَا} كذب واضح؛ لأنهم دبروا، وخططوا، وأخذوا يتابعون التنفيذ، ويوجهون من كلفوهم بالقتل.

ولكن القدر الإلهي كان أسبق منهم، فلقد جاء أشقاهم وعقر الناقة، وقتلها فنزل وعيد الله فيهم بعد ثلاثة أيام، إذا جاءتهم صيحة عالية، ارتجت لها الأرض، فماتوا جميعا، وهم جاثمون على ركبهم، ونجى الله صالحا والمؤمنين معه، وأبقى بيوتهم خالية لتشهد عليهم، ولتكون عبرة للأجيال من بعدهم، يقول الله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ١، وبعد أن نجى الله صالحا -عليه السلام- والمؤمنين معه، شدوا رحالهم إلى بيت الله الحرام حاجين، فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لما مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بوادي عسفان حين حج قال: "يا أبا بكر، أي وادٍ هذا؟ " قال: وادي عسفان، قال: "لقد مر به هود، وصالح -عليهما السلام- على بكرات، خطمها الليف، وأزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون ويحجون البيت العتيق" ٢.

يقول ابن كثير: يقال: إن صالحا انتقل إلى حرم الله، فأقام به حتى مات، ودفن به، وقيل: بل عاش فترة في رملة فلسطين بالشام, حتى مات ودفن بها، والله أعلم ...


١ سورة النمل الآيات: ٥١-٥٣.
٢ البداية والنهاية ج١، ص١٣٨، والبكرات: الفَتِيَّة من الإبل، والنمار: كساء مخطط.

<<  <   >  >>