للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن خلقه -عليه السلام- مراعاة مقام الأبوة، ببيان أن التوجه بالدعوة ليس استعلاء، وإنما هو علم أتاه من الله، ورسالة تحمل مسئوليتها، ومنافع عديدة يتمنى لأبيه أن يظفر بها.

وعن منهجيته في دعوة أبيه نلحظ من الآيات الوضوح التام، والبصيرة الكاملة لكافة جوانب الدعوة، فهو يدعو إلى عبادة الله، النافع، الضار، العليم، الخبير، ويعلم أن أباه يعبد الأصنام التي يصنعها بيده ولا فائدة من ورائها ... ويدرك أن الشيطان هو الذي يزين للناس الشرك وعبادة الأصنام، ويعمل جاهدا لتكوين حزبه الضال على أساس الولاية بين أفراده لتستمر طاعتهم له، ويصعب عليهم ترك أصحابهم وضلالهم، وبذلك يتمادون في الضلال والكفر.

وقد واجه أباه مواجهة مباشرة بهذه الحقائق، وعلم رده وموقفه.

ومن أساليبه في دعوة أبيه، استعمال أسلوب الاستفهام؛ لأنه يوقظ انتباه المستمع، ويدفعه إلى التفكير، ويشركه في اكتشاف الإجابة، فيخلص لها، ويلتزم بها لصدورها من قناعته.

ويذكر له حقيقة ترضي الأب وهي اكتساب الابن للمعارف الجديدة، والوصول إلى علم مفيد، وإعجاب الأب بابنه يرضي، وحالة الرضا بداية الفهم والسماع.

ويبين لأبيه أن الله هو الرحمن؛ ولذلك فطاعة الشيطان الداعي إلى الشرك عصيان لله، وقد تؤدي المعصية إلى عذاب من الله، وهو أمر يخافه إبراهيم على أبيه, ولو كان مسا خفيفا، ولذلك فهو ينصحه.

وماذا كان موقف الأب من دعوة ابنه له؟

لم يؤمن آزر، ورد على إبراهيم بقسوة وشدة, وقال: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} ١.

كبر في نفسه أن ينصرف إبراهيم عن عبادة الأصنام, وكان يتمناها له، صناعة، وتجارة، وعبادة، وهدده بالرجم بالحجارة وباللعن والسب، وأمره أن يهجره زمنا


١ سورة مريم آية: ٤٦.

<<  <   >  >>