للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هنا أخذ إبراهيم -عليه السلام- يعلن خطأهم، ويعلي دعوة الحق أمامهم, قال عليه السلام: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ١.

أسقط في أيديهم, ولما لم يتمكنوا من المواجهة لجئوا إلى الظلم والتحكم، شأن كل ظالم جبار يحمي سلطانه، وعزته، بقوة البطش والتخويف؛ لأن قوة العدل لا تسانده، وقوة الحق ليست معه، قال تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} ٢، وظنوا أنهم بهذا سيعلو شأنهم, وتحترم آلهتهم.

وإنما اختاروا القتل بالتحريق ليساهم الجميع في القتل، ولأنه أكثر إيلاما من القتل بوسائل أخرى، وحتى يكون مشاهدا للقاصي والداني، وجندوا الرأي العام بمختلف وسائلهم ... وبنوا بناء ضخما, وجمعوا الحطب، وصبوا عليه الزيت, وأشعلوا النار، وأحضروا المنجنيق وقذفوا به إبراهيم بعد أن قيدوه، وربطوه.

وهكذا أحكموا الكيد والتدبير ...

يذكر الزمخشري في الكشاف أن القوم لما أرادوا إحراق إبراهيم حبسوه شهرا، وبنوا بيتا عاليا كالحظيرة، وجمعوا أصناف الخشب الصلاب، وملئوا الرأي العام بكراهية إبراهيم حتى إن المرأة لتمرض فتقول: إن عافاني الله لأجمعن حطبا لإبراهيم، وصار كل شخص يقول لأخيه: اقتلوه أو حرقوه، ثم أشعلوا نارا عظيمة كادت الطير تحترق في الجو من وهجها، ثم وضعوا إبراهيم في المنجنيق مقيدا، مغلولا، ورموه في النار٣.

لكن الله غالب على أمره، فرد كيدهم في نحورهم، وكشف عوراتهم

قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} ٤.


١ سورة الأنبياء الآيات: ٦٦, ٦٧.
٢ سورة الأنبياء آية: ٨٦.
٣ تفسير الكشاف ج٢، ص٥٧٨.
٤ سورة الأنبياء آية: ٦٩.

<<  <   >  >>