للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان يمكنه لو ركز على طلوع الكوكب إثبات بطلان ألوهيتها؛ لأن الطلوع دليل الحدوث، وفي الطلوع احتياج للفاعل الصانع، ولكنه -عليه السلام- تركه، وركز على الأُفُول؛ لأن الأفول يدل على الزوال والتغير، والزوال والتغير علامات نقص تخرج صاحبها عن حد الكمال, فلا يصح أن يكون الآفل ربا وإلها.

واستدلال إبراهيم -عليه السلام- بالأفول مكنه من مجاراة القوم في معتقدهم، وإقبالهم على مناظرته، وقد تحيروا من أفول الآلهة، فأتاهم إبراهيم -عليه السلام- من حيث تحيرهم، واستدل عليهم بما اعترفوا بصحته وذلك أبلغ في الاحتجاج١.

لما رأى إبراهيم الكوكب، قال معهم: هذا ربي، فلما أفل قال: لا أحب الآفلين؛ لأن الإله لا يتغير، ولا يفنى.

فلما رأى القمر طالعا, قال معهم: هذا ربي، فلما أفل طلب الهداية من ربه الحق؛ لأن ألوهية القمر ضلال وضياع.

فلما رأى الشمس طالعة جارى الناس وقال: هذا ربي هذا أكبر؛ لأن الناس كانوا يعتقدون أن الشمس ملك الفلك، ورب الأرباب، يقتبسون منه الأنوار، ويقبلون منه الآثار، فلما أفلت تبرأ من شركهم، وأعلن إيمانه بالله الواحد الأحد، خالق السموات والأرض.

والمجاراة عند إبراهيم -عليه السلام- منهج تربوي، وقوله: {هَذَا رَبِّي} كان بلسانه فقط؛ لأن الله أراه منذ البداية ملكوت السموات والأرض، فلا رب له سواه، وكان يطلب منه الهداية خلال المجاراة.

يقول الشهرستاني: "وطلب الهداية من الرب سبحانه وتعالى هي غاية التوحيد، ونهاية المعرفة، والواصل إلى الغاية والنهاية كيف يكون في مدارج البداية؟؟ "٢.


١ الملل والنحل ج١ ص٥٥ بتصرف.
٢ المرجع السابق ج١، ص٥٦.

<<  <   >  >>