والمتبرئ من شرك القوم دليل على اقتناعه بعقيدته، فهو وإن جاراهم فلحاجة قصدها، وغاية عمل لها ... والتبرؤ من كفرهم, وعباداتهم في النهاية دليل قصده منذ البداية، وإن لا لاستغرق الأمر عنده كثيرا من العمل والأجل.
ومن فطانة النبوة قوله لما رأى الشمس:{هَذَا أَكْبَرُ} ؛ لأن هذا التعبير يبطل تأليه الكواكب والقمر؛ لأنها أصغر تزول بوجود الأكبر، وأيضا ففي العبارة شهادة حق عندهم تجعلهم يثقون في رأيه، ويسلمون بعدله ونصفته، فإذا ما تبرأ منها بعد ذلك لزوالها صدقوه، وكانوا معه.
لكن عبدة الكواكب استمروا على ضلالهم، ولم يأبهوا بدعوة إبراهيم, وأخذوا في مجادلته وحاولوا تخويفه من آلهتهم؛ ولذلك تركهم عليه السلام بعدما أدى واجبه، وقال لهم ما حكاه الله عنه، قال تعالى:{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} ١.