للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتمر الأيام، ويعم القحط أرض كنعان، ويأتي إخوة يوسف ليمتاروا لقومهم من خزائن يوسف: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} ١.

عرفهم لأنه فارقهم رجالا، وأنكروه لأنهم فارقوه صبيا، وهو الآن عليه أبهة الملك، ورونق الرئاسة، وعنده الخدم والحشم، وأما هم فحالهم لن يتغير.

أعطاهم ما طلبوا، وأمدهم بالطعام والعدة التي يحتاجون إليها في سفرهم، فلما حدثوه بالعبرية، قال لهم: من أنتم؟ وما شأنكم؟ قالوا له: نحن أبناء يعقوب نبي الله، وقد رزقه الله اثني عشر رجلا، هلك واحد منا في البرية وبقي أحد عشر ... قال لهم: أنتم عشرة, فأين الحادي عشر؟ قالوا: هو شقيق من هلك لأبيه وأمه، وهو أخ لنا من أبينا، وتركناه مع أبيه ليتسلى به لأنه أحبنا إليه ... هنا قال لهم يوسف عليه السلام: ائتوني بأخيكم هذا لأعطيكم ما تطلبون بعد ذلك، فإن لم تأتوني به، فلن أعطيكم شيئا، ولن أسمح لكم بدخول البلاد، فوعده بأنهم سيطلبون ذلك من أبيهم، ويؤكدون له الحاجة الماسة لإحضار أخيهم معهم٢.

وأمر يوسف فتيانه بأن يضعوا أثمان الحبوب التي دفعها إخوته في رحالهم، وكانت هذه الأثمان منتجات صناعية كالنعال والثياب وغيرها.

ولما عادوا لأبيهم، وفتحوا متاعهم، وجدوا مع الطعام بضاعتهم التي اشتروا بها، وقد ردت إليهم، دليلا على كرم عزيز مصر، واهتمامه بهم، فعرضوا الأمر على أبيهم، وطلبوا منه أن يرسل أخاهم معهم ليمتاروا, وبخاصة أنهم يتعاملون مع ملك كريم، يعطيهم مجانا، يطعمون قومهم, ويدخرون بضاعتهم، ويزدادون كيل بعير لأخيهم، ويحافظون عليه، وذلك في مدة قصيرة يسيرة٣, قال لهم أبوهم


١ سورة يوسف آية: ٥٨.
٢ اقرأ الآيات: ٥٩-٦٣ من سورة يوسف.
٣ تفسير ابن كثير ج٢، ص٤٨٤.

<<  <   >  >>