للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم ... هو في بيتها، شاب أعزب، يعيش تحت سيف العبودية، يجد نفسه أمام أميرة شابة، جميلة، تتهيأ له، وتعد المكان، وتطلب منه أن يستجيب لطلبها وقد تهيأت له واستعدت، وتكرر الطلب منها مرات متعددة.

لم يتأثر يوسف بهذه المغريات، وإنما تذكر ربه فاستعاذ به من أي سوء، وتذكر العزيز الذي أكرم مثواه، فقال لها على الفور: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ١.

أي: أعوذ بالله معاذا مما دعوتني إليه، وزوجك هو سيدي، وربي، الذي أكرمني ورباني، فكيف أخونه في أهله، وأجيبك إلى ما تريدين، وفي الاستجابة لك ظلم وعدوان على حق الله، وحق الناس، ولا يفوز الظالم بخير أبدا٢.

وبهذا الموقف من يوسف -عليه السلام- تظهر أخلاقه بوضوح، فهو مؤمن، صاحب عقيدة، يستعيذ بالله تعالى، ويسأله المعونة في أداء حق سيده، الذي أكرمه، وأحسن مثواه, ولا يصح التعدي على حقوق الآخرين أبدا.

ويكبر الأمر في نفس امرأة العزيز، وتحس بطعنة توجه لكبريائها، فلا هي حققت غرضها، ولا هي تعففت، فتهم بضرب يوسف، ويهم هو بالدفاع عن نفسه، فيتذكر حقها عليه فيجري بعيدا عنها، وتجري وراءه وتلحق به، وتقطع ثيابه من دبر حين أدركته قريبا من الباب.

وعند وصولهما إلى الباب يجدان العزيز عنده، وعندئذ تحاول المرأة تبرئة نفسها، وتتهم يوسف بمحاولة الإساءة إليها، والفتك بها، وطلبت ضرورة مجازاته بالسجن، أو بالتعذيب؛ لينال جزاء جرأته على سيدة القصر، وامرأة العزيز،


١ سورة يوسف آية: ٢٣.
٢ فتح القدير للشوكاني ج٣ ص١٧ بتصرف.

<<  <   >  >>