للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يروي الفضل بن عياض مصورا سلطان يوسف -عليه السلام- أن امرأة العزيز وقفت على ظهر الطريق حتى مر يوسف بسلطانه فقالت: "الحمد لله الذي جعل الضعفاء ملوكا بطاعته، وجعل الملوك صغارا بمعصيته"١.

ومضت السنوات الأولى، وجاء الجدب والقحط، فورد الناس على يوسف من سائر الأقاليم، يمتارون لأنفسهم وعيالهم، فكان لا يعطي الرجل أكثر من حمل بعير في السنة، وكان عليه السلام لا يشبع نفسه، ولا يأكل هو والملك، والجنود، إلا أكلة واحدة في وسط النهار، حتى يتكافأ الجميع.

كان يوسف -عليه السلام- رحمة من الله تعالى على أهل مصر، وعلى من جاورهم, وكان أبناء يعقوب -عليه السلام- أعرابا، يعيشون في البادية، ويتنقلون حيث العشب والماء, فلما نزل القحط بالناس حل الجدب ببني إسرائيل؛ ولذلك جاء أبناء يعقوب يمتارون من مصر، وكان ما كان بين يوسف -عليه السلام- وإخوته على نحو ما ذكرت.... وأخيرا أعطاهم قميصه، وقال لهم: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} ٢، ذلك أن أباه يعقوب -عليه السلام- قد كف بصره؛ لكثرة بكائه على فراق يوسف وأخيه، وكان دائما يذكرهما.

ولما غادرت القافلة ومعها قميص يوسف أرض مصر، هاجت ريح حملت رائحة القميص إلى يعقوب، فقال لمن معه: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ، قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} ٣، عرف ريح يوسف ولم يقطع به؛ حتى لا يتهم من بنيه وقومه بالجري وراء الأماني والأحلام، وجاء حامل القميص فألقاه على وجهه فعاد إليه بصره، وهنا قال لإخوته: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ٤.


١ تفسير ابن كثير ج٢ ص٤٨٢.
٢ سورة يوسف آية: ٩٣.
٣ سورة يوسف آية: ٩٤, ٩٥.
٤ سورة يوسف آية: ٩٦.

<<  <   >  >>