لو لم يكن يوسف مخلصا لدعوته لآثر الصمت، ولعاش في السجن حزينا، شاكيا، متأثرا بالآلام التي تلاحقه من إخوته، ومن النسوة، ومن الملك ... ولظل يسائل نفسه ... من أحق بالسجن, أنا أم هؤلاء؟
لكنه -عليه السلام- لم يعش هذه الآلام، وإنما أسلم أمره الله، ورضي بقضائه وقدره، وأعلن ذلك لرفقائه في السجن, قائلا ما حكاه الله تعالى:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ١.
إن معرفته بالله أسلمته لقدرته سبحانه وتعالى، فالحكم كله له، وعلى الإنسان أن يستسلم لجلاله، ويفنى في عبادته، ويلازم دينه القويم، ومنهجه المستقيم. لقد تحول السجن في حياة يوسف إلى مدرسة متكاملة، أغنته عن الأهل والأصحاب.... وأمدته بالوقت الذي استثمره في التأمل، والطاعة، والعبادة، والدعوة، حيث اشتهر في السجن بالإحسان، والكرم، وحب الخير لرفقائه أجمعين، والإخلاص في أخذهم إلى الله، وتعريفهم بخالقهم، فهو واحد لا شريك له في ألوهيته، وربوبيته، وليس له ند، ولا يصح أبدا أن يتخذ الإنسان مع الله شريكا من هوى النفس، أو من ضلالات الناس.
والحكم والتشريع كله لله فقط، ولا يجوز مطلقا أن يقوم غيره بهذا الأمر، سواء كان فردا أو جماعة، حتى لا يكون شريكا لله في ألوهيته وحاكميته.