غيره، والانتقال من البدهيات والمسلمات إلى ما يحتاج لدليل وبرهان.
والطبيب حين يعالج مريضه في تقديم الدواء تبعا لتقبُّل المريض، واستعداد بدنه.
وعلى الدعاة أن يسلكوا هذا المسلك؛ ليحققوا لدعوتهم نجاحا، وتمكنا في قلوب الناس.
وقد اتبع يوسف -عليه السلام- هذا الأسلوب مع من التقى بهم، وقد اشتملت قصته على نماذج لهذا التدرج.
فهو عليه السلام حين عرض عليه صاحباه ما رأيا، وطلبا منه تفسيرها لهما، أخذ يدخل إلى نفسيهما مدخلا لطيفا، رفيقا، متدرجا حيث بدأ بتأكيد الثقة في علمه, وأخذ ينبئهما بالطعام الذي سيأتيهما قبل إتيانه.
وبعدها بين لهما أن هذا العلم جاءه من ربه، الذي يعبده، ويؤمن به، وبالضرورة سيتساءل صاحباه: ما دينه؟ وما ربه؟
وهو على الفور يوضح لهما أنه ليس على دين الناس، إن دين الناس باطل، فهم يكفرون بالله، ولا يؤمنون باليوم الآخر.... أما دينه فهو دين إبراهيم وإسحاق -عليهما السلام- القائم على التوحيد الخالص، والتوجه بالعبادة لله وحده, كل ذلك على وجه الحكاية, وهم يسمعون ...
ثم ينتقل مرحلة أخرى في شكل استفهام حول دينه ودين الناس, يوجهه لصاحبيه, قال تعالى:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ١.
إنه يخاطب فيهما الأخوة والصحبة، ويسألهما سؤالا لا يحتاج لجواب؛ لأنه أجاب عنه في حديثه الذي سبقه مباشرة، وإنما يقصد بالسؤال أن يفكروا في عقيدتهم, ويعودوا إلى فطرتهم، ويتجاوبوا مع أصالتها.